الوقت- أقيمت الذكرى الخامسة والسبعين للمحرقة النازية في مدينة القدس الشريف بحضور حوالي 50 زعيم وقاد دولة يوم الاربعاء الماضي وهنا تجدر الاشارة إلى أن الكيان الصهيوني قام بإجراء هذه المراسم في الوقت الذي تم فيه إلغاء البرلمان الاسرائيلي لثلاث مرات متتالية منذ بداية العام الماضي، وظهور بوادر تطبيع العلاقات بين "تل أبيب" وبعض شيوخ الخليج الفارسي، وانتشار العديد من الهمسات حول فشل "صفقة القرن" المشؤومة ولهذا فإنه يمكن القول أن جميع هذه القضايا يمكن أن تلقي بظلالها على أهداف هذه المراسم الخامسة والسبعين.
الهوامش الأكثر وضوحاً من النص
على الرغم من أن الكيان الصهيوني كان يدعي أنه نظام عسكري وديمقراطي وعلماني، إلا أنه سعى خلال العقود الماضية إلى التوفيق بين التيارات العلمانية والدينية بسبب تحديات الهوية التي يواجهها منذ إنشاء "النقابة الإسرائيلية" في عام 1912 وخلال تلك الفترة الزمنية قدمت المعسكرات الألمانية النازية أفضل تغذية للدعاية للصهاينة للتنديد بالتيارات الدينية التي اعتقدت أنه لا ينبغي تشكيل دولة يهودية قبل ظهور المنقذ.
وبالنظر إلى أن المعسكرات التي زعم الصهاينة وجودها كانت تقع على الحدود الألمانية البولندية، فإن وجود الرئيس البولندي في اجتماعات المحرقة الصهيونية أمر مهم للغاية وذلك لأن هذا الحضور سوف يعزز الهوية الدينية والسياسية الناشئة عن الهولوكوست في المجتمع الاسرائيلي، لكن الرئيس البولندي رفض الحضور والمشاركة في هذا اجتماع هذا العام وذلك لأن هناك فجوة كبيرة وخلافات عديدة حول الهولوكوست بين بولندا والكيان الصهيوني ظهرت قبل عامين وحول هذا السياق، ذكرت العديد من التقارير أن بولندا سنّت قانونًا جديدًا منذ عامين، والذي ينص على أن الذين اتهموا بولندا منذ ذلك الحين بالمسؤولية عن مقتل اليهود يرتكبون جريمة ولقد تسبب هذا القانون بقيام العديد من المواطنين الاسرائيليين بإهانة السفير البولندي الموجود في الأراضي المحتلة.
ومن ناحية أخرى، يعتقد الصهاينة أن أكبر معسكر ألماني يدعى "أوشفيتز" تم تحريره من قبل القائد الأوكراني "أناتولي شابيرو" الذي كان يهودي الديانة وعلى الرغم من دعوت "تل أبيب" للرئيس الأوكراني "فلاديمير زيلينسكي" للمشاركة والحضور في مراسم هذا العالم، إلا أنه لم يُسمح له بالحديث، وهذا الامر أثار الكثير من الانتقادات الشديدة. ولقد أدى غياب الرئيس البولندي وعدم السماح "زيلينسكي" بإلقاء كلمة إلى تفاقم تحديات الهوية الصهيونية مرة أخرى وفي هذا السياق، لم يستطع "يهوذا باور"، وهو أستاذ صهيوني بارز في مجال "المحرقة المزعومة"، إخفاء حزنه حيال المشكلات التي ظهرت في قمة هذا العام، حيث قائلاً: "من المؤسف أن يغيب الرئيس البولندي عن نصب أوشفيتز التذكاري"، مضيفاً، إن "سبب معاداة السامية في وقتنا الحالي يرجع إلى النهضة القومية التي ظهرت في أعقاب تدفق سيول المهاجرين".
المكانة الدولية الهشة للكيان الصهيوني
إن أزمة الحكومة الاسرائيلية التي بدأت العام الماضي في "تل أبيب" وقضايا الفساد الأربع لـ"نتنياهو" وزوجته جعلت استثمار الرئيس الامريكي "ترامب" السياسي على "نتنياهو" وحكومته خطرًا كبيرًا، بحيث أن المشاركة الامريكية في الاجتماع الخامس والسبعين اقتصرت على حضور "مايك بينس" فقط ولهذا فلقد دفعت كل هذه القضايا "نتنياهو" إلى بذل كل جهده في اجتماع هذا العالم للتهرب من كافة القضايا التي تلاحقه وإلصاق الاتهامات بالآخرين وذلك من أجل خلق إجماع بين القادة المشاركين في هذه المراسم بأنه شخصية يمكن الوثوق بها وحول هذا السياق، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية بأن "نتنياهو" أجراء مقابلة صحفية قبل إنطلاق هذه المراسم بيوم واحد، حيث قال: "لدينا الآن القدرة على الدفاع عن أنفسنا، وأنا أفكر في الدرس الذي قدمه لنا أوشفيتز ومنها، أولاً ينبغي إيقاف الأمور السيئة عندما تكون صغيرة وإيران حقًا شيء سيء. إيران ليست صغيرة، لكنها يمكن أن تكبر كثيراً عند امتلاكها للأسلحة النووية، وأعتقد أن أول شيء ينبغي علينا القيام به هو ردعها".
وفي سياق متصل، كشفت بعض المصادر الاخبارية بأن الرئيس "بوتين" الذي حضر وشارك في هذه المراسم، سوف يعقد اجتماعات مع القادة الفلسطينيين في الضفة الغربية بعد إنتهاء هذه المراسم، وهذا الامر زاد من قلق المسؤولين الصهاينة ولهذا فلقد زعم المسؤولين الصهاينة مراراً وتكراراً خلال مراسم هذا العام، أن حركة المقاومة "حماس" تخطط للقيام بالعديد من الهجمات الصاروخية على المناطق الاسرائيلية وذلك من أن تؤثر هذه التصريحات على نتائج لقاء بوتين مع الزعماء الفلسطينيين.
ولفتت تلك المصادر الاخبارية إلى أن "نتنياهو" ركز على المشاريع التي ينوي القيام بها بالقرب من منطقة الضفة الغربية ونهر الاردن وذلك من أجل دعم موقفه في الانتخابات الاسرائيلية والنجاة بنفسه من مستنقع الرشاوي والفساد الذي وقع فيه خلال الفترة الماضية. يذكر أن "نتنياهو" أعلن قبل عدة أشهر عشية الانتخابات الداخلية لحزب الليكود عن عزمه للبدأ بخطة لبناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية وعدة مناطق صناعية جديدة في المستوطنات الصهيونية الواقعة في الضفة الغربية ولقد لعب هذا البيان دورًا مهمًا في فوزه في انتخابات الليكود المحلية ولذلك سوف يستمر "نتنياهو" في اتباع هذه الاستراتيجية وذلك من أجل دفع القادة الذين شاركوا في مراسم المحرقة هذا العام إلى الاعتراف بالمستوطنات غير القانونية التي تم بناؤها في منطقة الضفة الغربية.
القلق من الصحوة العالمية
في السنوات الأخيرة، تولدت لدى بعض الدول الأوروبية والعديد من قادة العالم نظرة سلبية جراء السياسات الخاطئة والجرائم الفظيعة التي قام بها الكيان الصهيوني خلال السنوات الماضية، وكانت احدى تلك النظرات السلبية تتمثل في إدانة قرار الرئيس الامريكي "ترامب" الذي سمح لـ"تل أبيب" باحتلال الجولان ولهذا يمكن القول هنا أنه على الصعيد الدولي، تظهر فجوة كبيرة في المواقف بين القادة الأوروبيين والقادة الأمريكيين بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية وهذا الامر يظهر جلياً في خطاب ألقاه وزير خارجية لوكسمبورغ "جان أسيلبورن" والذي حث فيه الدول الأوروبية على الاعتراف بالحكومة الفلسطينية لدفع عملية السلام إلى الأمام ومثل هذه المواقف الاوروبية جاءت لتدعم قرار البرلمان الأوروبي لعام 2014 الذي أكد على ضرورة الاعتراف بالحكومة الفلسطينية.
وهنا تجدر الاشارة إلى أنه عقب تنصيب "ترامب" وإنتشار بعض تفاصيل "صفقة القرن" المشؤومة، اشتدت الاحتجاجات الفلسطينية ضد الكيان الاسرائيلي ولا تزال المسيرات الفلسطينية مستمرة في الخروج منذ ثلاث سنوات وذلك لمطالبة قادة العالم بالاعتراف بيوم النكبة الفلسطيني وإعادة الاراضي التي سلبها قادة الكيان الصهيوني من الفلسطينيين وهنا تجدر الاشارة إلى أن الكيان الغاصب قام حتى الآن، بممارسة الكثير من الضغط على بلدان أخرى، وباعتقال أو طرد مؤرخين بارزين فضحوا زيف خرافة "الهولوكوست"، مثل البروفيسور "روجر جارود" و"روبرت فوريسون" و"بول فرام" و"إرنست زاندل".
وفي الختام يمكن القول أن الدعاية الصهيونية عملت خلال العقود الماضية على تشويه الاحداث التاريخية للتطورات الميدانية على الساحة الفلسطينية وذلك بالاستعانة إلى حد كبير بخرافات هوليوود والسيطرة على وسائل الإعلام المختلفة ولكن ذلك الامر بدأ بالتلاشي يوما بعد يوم واصبح الكثير من الناس يعرفون جيداً الطبيعة الإمبريالية للحركة الصهيونية التي تستعين دائما بالعديد من الخرافات ولا سيما خرافة الهولوكوست لكسب الكثير من التعاطف العالمي.