الوقت- احتضنت العاصمة الايرانية طهران يوم الاربعاء الماضي، المؤتمر الثاني للحوار الامني والاقليمي بمشاركة أمناء ومستشاري الامن القومي والمسؤولين الامنيين الكبار لكل من ايران وروسيا والصين والهند وافغانستان وطاجيكستان واوزبكستان ويأتي هذا المؤتمر الذي استمر يوماً واحداً بمبادرة واستضافة أمانة المجلس الاعلى للامن القومي الايراني ويركز هذا المؤتمر علي ملف افغانستان والمواجهة الشاملة مع جميع اشكال الارهاب في المنطقة. وعلى هامش هذا المؤتمر، عقدت لقاءات ثنائية بين أمناء ومستشاري الأمن القومي للدول المشاركة في هذا المؤتمر.
مؤتمر الأمن الإقليمي
ذكرت العديد من المصادر الاخبارية بأنه في قمة "سوتشي" التاسعة التي عقدت للتباحث حول التطورات الميدانية في الازمة السورية وقضية نقل عناصر ينتمون إلى تنظيم داعش الارهابي إلى أفغانستان، قررت إيران عقد قمة أمنية إقليمية حول قضية نقل تلك الجماعات الارهابية إلى افغانستان بحضور دول إقليمية ولفتت تلك المصادر الاخبارية إلى أن نجاح قمة "سوتشي" بشأن سوريا، إلى جانب المؤتمرات المختلفة التي عقدت من أجل أمن أفغانستان، أثارت آمالاً كثيرة في أن يسهم هذا المؤتمر بشكل فعّال في خلق حالة من الاستقرار والأمن في أفغانستان.
يذكر أن جدول أعمال المؤتمر الأول ركز حول مكافحة الإرهاب والتطرف في منطقة غرب آسيا وخاصة في أفغانستان، ولقد عقد ذلك المؤتمر في العاصمة الايرانية طهران في شهر أكتوبر الماضي بمشاركة مستشارين الامن القومي لإيران والصين وروسيا والهند وأفغانستان ولقد ركزت معظم القضايا التي أثيرت في الاجتماع الأول على دراسة الأسباب الجذرية لإنتشار الإرهاب في أفغانستان وخلص ذلك الاجتماع إلى أن تجارة المخدرات كان لها دور في دعم الإرهابيين الأفغان وأيضا كان لأمريكا دور بارز في تعقيد العديد من قضايا الأمن الإقليمية مثل أفغانستان، وهذا ما أكد عليه مستشار الأمن القومي الروسي "نيكولاي باتروشيف".
ومن أبزر النتائج والانجازات التي خرج بها المؤتمر الامني الاقليمي الاول، هو تعزيز العلاقات الأمنية الثنائية والمتعددة الأطراف بين بلدان المنطقة لدعم الأمن والاستقرار في أفغانستان وتعزيز الآليات الأمنية للمنظمات الإقليمية الرئيسية الأخرى، مثل "شنغهاي". الجدير بالذكر أن طاجيكستان وأوزبكستان شاركتا في المؤتمر الامني الاقليمي الثاني الذي عقد في العاصمة الايرانية طهران يوم الاربعاء الماضي وفي هذا السياق، أشار "علي شمخاني" امين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني خلال لقائه وزير الأمن القومي الطاجيكي "محمد علي فاتزان زاده" إلى موضوع الحوار الأمني الإقليمي الثاني بشأن أفغانستان وقال: "إن تطور الإرهاب وجهود بعض البلدان الإقليمية والاجنبية لتكريس انعدام الأمن في هذا البلد وإدارته هما أهم التحديات التي تهدد السلام والاستقرار في أفغانستان".
وفي السياق نفسه، ذكر العديد من الخبراء الاقتصاديين بأن الصين والهند، كاقتصادين ناشئين، يركزان بشكل خاص على الأمن والاستقرار في أفغانستان وتبعا لذلك، أظهر الصينيون حضوراً قوياً في هذا المؤتمر الأمني الذي عُقد في العاصمة الايرانية طهران ولقد صرح وزير الأمن القومي الصيني "تشن ون تشينغ"، المسؤول عن الوفد الأمني الصيني الرفيع المستوى خلال اجتماعه مع "شمخاني" في طهران، بأنه يمكن لإيران والهيئات الأمنية الصينية العمل على الجوانب الثنائية والسياسية والاقتصادية والدفاعية للتوصل إلى اتفاقات أمنية تحفظ الامن والاستقرار في المنطقة. "
أهمية مؤتمر الأمن الإقليمي
منذ انفصال أفغانستان عن إيران، وبسبب تدّخل العديد من البلدان الغربية في هذا البلد وعدم قدرتها على فهم التعقيدات والروابط العرقية والثقافية لأفغانستان، واجه القادة الافغان الكثير من التحديات الخطيرة في مسير بناء الدولة، وهذه الظروف والتحديات أدت في نهاية المطاف إلى إنتاج الإرهاب والتطرف في هذا البلد. الجدير بالذكر أن التدخل الامريكي منذ 18 عاماً في هذا البلد لم يساعد الحكومة الافغانية على التغلب والقضاء على مثل هذه التحديات، بل إن هذا التدخل الامريكي زاد الطين بلة وأدى إلى انتشار وتنوع الجماعات المتطرفة مثل "داعش" في العديد من المدن الافغانية. وفي هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية بأن إيران هي أهم دولة يمكنها مساعدة أفغانستان على طريق بناء الدولة بسبب موقعها الاستراتيجي ومشاركتها الثقافية وإلى جانب هذا الدور، يمكن لإيران والصين والهند لعب دور مهم في مستقبل أفغانستان، ما قد يساعد في الحد من انتشار الفقر الذي له تأثير بالغ على انتشار الإرهاب في أفغانستان. وتعد أفغانستان واحدة من الدول الواقعة على طريق الحرير ولديها الآن مكانة خاصة في الممرات التجارية للهند والصين وتتمتع إيران بالكثير من العلاقات الجيدة والمصالح الأمنية مع جميع الدول المجاورة لأفغانستان.
وحول هذا السياق، اكد "أبو ذر تركمان" رئيس منظمة الثقافة و العلاقات الاسلامية الايراني على العلاقات الثقافية و الاجتماعية المتينة بين الشعبين الايراني و الافغاني ولفت إلى ضرورة اجراء الحوار لمعالجة المشكلات التي تعاني منها المجتمعات البشرية واعتبر الجماعات التكفيرية و المتطرفة افة العالم الاسلامي موكدا انه يجب التعرف على جذور هذه الافة في المجتمعات من خلال الحوار و التعاون بين النخب. ومن جهته، أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني "علي شمخاني" الذي یزور کابول حالیا علی رأس وفد من المسؤولین السیاسیین والعسکریین والأمنیین خلال اجتماعه مع نظیره الأفغاني "حمد الله محب"، علی ضرورة تفعیل آلیات تشاوریة بین مؤسستي الأمن القومي للبلدین وأشار إلی المفاوضات المنعقدة بین إيران وجماعة طالبان في إطار حل المشکلات الأمنية في أفغانستان قائلا ان هذه المباحثات انعقدت في ظل علم الحکومة الأفغانیة وستستمر هذه العملیة.
وأشار "شمخاني" إلى خطر توسع وانتشار داعش في افغانستان، مؤكداً على ضرورة اتخاذ الاجراءات العملية لمواجهة هذا المخطط المشؤوم الذي تدعمه امريكا، داعيا إلى توسيع مراكز الشرطة الحدودية لتعزيز أمن الحدود وأعلن "شمخاني" عن استعداد ايران للتعاون العلمي ونقل التقنيات معتبرا فتح الاسواق الحدودية والتسريع في حل الخلافات الحدودية وعقد اجتماع حدودي مشترك بين ايران وافغانستان وباكستان وتركيا وتركمانستان من العوامل الهامة لتعزيز أمن الحدود. ومن جهته قال "حمد الله محب" إن المفاوضات بين مسؤولي الامن القومي للبلدين مصيرية في تذليل بعض العقبات العالقة في مسار تنفيذ الاتفاقيات السابقة، مؤكداً أن ايران لا تزال احدى القواعد الرئيسة لتكريس الامن في المنطقة ومن دون أدنى شك سيؤدي التعاون المشترك بين البلدين إلى تذليل المشكلات الامنية.
وفي الختام يمكن القول أنه بالنظر إلى انتشار العديد من الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وأفغانستان والدور الذي تلعبه بعض الدول العربية والأمريكية في تقديم الكثير من الدعم لمثل هذه الجماعات المتطرفة، إلا أن الموقف الجيوسياسي لإيران لعب دورًا مهمًا في انهيار تلك الشبكة الإرهابية الإقليمية.