الوقت- عقد بالأمس 10 ديسمبر 2019 الاجتماع الأحدث لسلسلة اجتماعات "أستانا"، التي بدأت في العاصمة الكازاخستانية في 23 يناير 2017.
تعقد هذه الجولة التي تعد الجولة الرابعة عشرة لاجتماعات أستانا في "نور سلطان" عاصمة كازاخستان، بمشاركة وفود من إيران وتركيا وروسيا.
لقد أظهر هذا الاجتماع، على الرغم من إطالة أمده، أنه الاجتماع الوحيد للجهات الفاعلة الخارجية والداخلية المعنية بالأزمة السورية، التي يمكن أن تؤثر على تطوراتها السياسية. ومع ذلك، فلا يمكن النظر إلی اجتماع أستانا الأخير بتفاؤل.
الحقيقة هي أن الوضع السياسي والتطورات في الأزمة السورية عشية هذا الاجتماع، هي بحيث لا يمكن للمرء أن يأمل في أن يكون الاجتماع مؤثراً.
لا تزال إدلب في مقدمة الأزمة
في خضم التطورات في سوريا على مدار العامين الماضيين، فإن إحدى القضايا التي عززت نوعًا ما تعقيد حل الأزمة في سوريا، وشکلت عقبةً كبيرةً في طريق عودة الاستقرار إليها، هي مسألة إدلب.
بعد العملية الناجحة للسيطرة على الأراضي السورية من قبل الجيش الشرعي لهذا البلد في وسط وجنوب وشرق سوريا، اتجهت الأنظار نحو شمال سوريا وفي مرکزها مدينة إدلب الإستراتيجية.
كانت هذه المدينة أهم وأكبر إنجاز للجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا والسعودية، في السنوات التي تلت بداية الأزمة في سوريا منذ عام 2011. وفي الوقت الحاضر أيضًا، أصبحت هذه المحافظة مركزًا رئيسيًا لاجتماع الإرهابيين، بحيث وصفها المراقبون السياسيون بأنها أكبر مركز للإرهابيين.
في عام 2017، حين کان الجيش السوري قد سيطر على المناطق الجنوبية، قد رکز اهتمامه على إدلب، لكن الحكومة التركية، بدعمها غير المشروع وغير الشرعي للإرهابيين، دعت إلی نوع من الاتفاق لحل النزاع على إدلب.
ونتيجةً لذلك، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية أنقرة وموسكو، لكن تركيا فشلت في نزع سلاح المجموعات الإرهابية في هذه المنطقة، وخاصةً تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، لكنها لا تزال تعرقل تقدم عمليات الجيش السوري في هذه المحافظة، من خلال بناء قواعد عسكرية حول إدلب.
في الوضع الحالي أيضاً، يجتمع ممثلو وزارات الخارجية الروسية والإيرانية والتركية، في وقت يستمر فيه الخلاف حول مستقبل إدلب والتطورات اللاحقة.
فمن ناحية، تواصل تركيا التأكيد على قرارها بعدم مغادرة إدلب ودعم الإرهابيين، ومن ناحية أخرى، فإن الحكومة السورية تصر على عدم قبول وقف إطلاق النار في هذه المنطقة، لبسط سيادتها الشرعية على جميع أراضيها وإنهاء وجود الجماعات الإرهابية فيها.
وفي مثل هذه الظروف، يبدو أن قضية إدلب ستظل تشکل مأزقاً كبيراً أمام التيارات السياسية الحاضرة في اجتماع أستانا.
تعقيد استمرارية عمل اللجنة الدستورية
على صعيد آخر، لاتزال قضية صياغة دستور جديد لسوريا، تشکل الأولوية الأهم لدی القوى السياسية المعنية بالأزمة السورية.
خلال السنوات التي تلت عام 2016، جرت لقاءات متعددة بين وفد المعارضة السورية وممثلي الحكومة المركزية بوساطة من الأمم المتحدة والدور المباشر للجهات الخارجية، لصياغة دستور جديد لهذا البلد، ولكن حتى الآن لم يتم تحقيق نتائج ملحوظة، ويعزى سبب ذلك إلى حد كبير إلى استياء دمشق من التدخلات الأجنبية في هذه العملية.
في هذه المرحلة أيضاً، تتمثل إحدى القضايا المهمة التي سيناقشها ممثلو الدول الحاضرة في اجتماع أستانا، في متابعة مسألة صياغة دستور جديد لسوريا.
فبالإضافة إلى الانقسامات الکبيرة بين الجهات الفاعلة المحلية المنخرطة في الأزمة السورية، حتی حول المبادئ الأساسية للدستور الجديد، يبدو في الوقت الحاضر أنه حتى الأطراف الخارجية ليس لديها أي إجماع حول مستقبل النظام السياسي في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري الإشارة إلى أن الجهات الفاعلة المحلية المنخرطة في الأزمة السورية، لم تحضر هذه الجولة من اجتماعات أستانا، ومن غير المرجح أن تقبل قرارات إيران وتركيا وروسيا بشأن دستور جديد.
لذلك، يمكن التأكيد على أن اجتماع أستانا الأخير لا يمكن أن يكون له في الواقع تأثير خطير على مسألة صياغة دستور جديد لسوريا. ونتيجةً لهذه العملية، من المحتمل أن نرى إطالة أمد النقاش حول هذا الموضوع في المستقبل بشکل أکثر.
أطماع ترکيا والمأزق في المضي قدماً بالأمور
العقبة الأخرى أمام نجاعة اجتماع أستانا الرابع عشر، يمكن تقييمها بأنها مرتبطة بقضية انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، وهجوم ترکيا علی شمال هذا البلد وكذلك قضية عودة اللاجئين.
منذ منتصف عام 2017 حتى الآن، نفذت الحكومة التركية وبذريعة محاربة الإرهاب ثلاث عمليات تحت عنوان "درع الفرات" و"فرع الزيتون" و"نبع السلام"، واحتلت قواتها منطقة شمال غرب الفرات بالكامل، إلی جانب ما يسمی بقوات الجيش الحر التي تدعمها ترکيا.
كذلك، بدأت تركيا جولةً جديدةً من هجماتها على شرق الفرات على مدى الشهرين الماضيين، واستطاعت السيطرة على بعض المناطق، لكن عدوانها لا يقتصر على هذه النقطة فحسب، بل أثارت أنقرة مسألة عودة اللاجئين إلى شمال سوريا بشكل غير قانوني.
في الواقع، تعتزم تركيا السيطرة على جزء من الأراضي السورية بحجة مكافحة الإرهاب، وتدير بسلطتها الکاملة المناطق الشمالية بشأن قضية النازحين.
في مثل هذا الجو الذي تخلق فيه الأطماع التركية المزيد من التعقيد والمأزق في الأزمة السورية، يبدو أن النتائج النهائية لاجتماع أستانا لا يمكن أن يكون لها أي تأثير على المعادلات الميدانية لهذا البلد. کما أن تصريحات أردوغان حول البقاء في المناطق المحتلة وإسکان اللاجئين في مناطق مختلفة، تشكل تحديًا كبيرًا لأي تسوية بشأن مستقبل الأزمة السورية.