الوقت- بعد غياب طويل، عاد وزير الخارجية السعودية السابق عادل الجبير إلى الواجهة عبر البوابة اليمنية. الجبير الذي أٌعفي من منصبه بسبب "ضعفه" أثناء أزمة خاشقجي التي كانت ستُطيح بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يحاول اليوم إثبات قدراته في ملفّ عجزت السعودية وتحالفها المزعوم عن تحقيق أي تقدّم فيه خلال السنوات الخمس الماضية.
وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير اعتبر في مؤتمر "الحوار المتوسطي" في روما، إن "الحل الوحيد في اليمن سياسي، والحوثيون هم من بدأوا الحرب وليس نحن"، مضيفاً أن "كل اليمنيين بمن فيهم الحوثيون لهم دور في مستقبل اليمن". وفي حين أكّد الجبير أن "هناك إمكانية للتوصل إلى تهدئة تتبعها تسوية في اليمن"، أشار إلى أن "اليمن ذو أهمية خاصة بالنسبة للمملكة، وتدخل إيران بشؤونه مدمر".
كلام الجبير أثار حفظية اليمنيين، وفي أوّل تعليق على تصريحات الجبير بشأن اليمن، قال القيادي في حركة "أنصار الله" عبد الملك العجري، إن اليمنيين وحدهم من يملكون حق تحديد مستقبلهم وأدوارهم. وأضاف عضو المكتب السياسي في "أنصار الله"، وعضو وفدها المفاوض، في تغريدة على حسابه الرسمي بـ"تويتر": "من المثير للاستفزاز عندما تتحدث بعض الأطراف الخارجية عن قبولها بدور لأنصار الله أو الحوثيين كما يسمونهم في المستقبل السياسي لليمن وكأنها هبة ومكرمة يتكرمون بها علينا". وتابع قائلا "الحقيقة إنها إهانة لا نقبلها". من جانبه علّق الناطق الرسمي لحكومة الإنقاذ الوطني في اليمن وزير الإعلام ضيف الله الشامي على تصريحات الجبير قائلاً: إن “من أدوات سخرية هذا العالم كائنٌ يدعى الجبير يحاول جبر الكسور والعظم السعودي الذي فتته أبطال اليمن طيلة 5 سنوات”، وأضاف “اليمنيون لم يقدموا التضحيات ليبقى مثله من يأمر وينهى في بلدهم”.
وبين ردّ العجري على خطاب الجبير الهزلي، وكلام الشامي ردّاً على تصريحات الجبير الهزيلة، تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: يبدو مضحكاً أن يشترط عليك طرف خارجي مشاركتك او عدم مشاركتك في بلدك. ولكن هذا هوالمنطق الرئيس في السياسة الخارجية السعوديّة، فكل من يعارض سياسة السعوديّة يكون عميلاً ولو كان في الصين، فالديوان الملك السعودي هو المخوّل الوحيد لإصدار صكوك الوطنية في هذا العالم. نعم، هذا هو المنطق الأمريكي الذي يتّهم دول العالم بدعم الإرهاب وهو المسؤول الأول عن الإرهاب في العالم، وهذا ما أتقنه الجبير من تجربته الطويلة في سفارة بلاده في أمريكا.
ثانياً: يتعارض كلام الجبير مع أبسط حقوق الشعوب، فهو يرى نفسه مخوّلاً بتحديد الجهات التي يحق أو لا يحقّ لها المشاركة في العملية السياسية لبلد ما، أليست الشعوب هي التي تحدّد هذا الأمر؟ أليس الشعب اليمني هو الجهة الوحيدة التي يحقّ لها تحديد الجهات التي يحق أو لا يحقّ لها المشاركة؟
ثالثاً: لم يقتصر كلام الجبير على الهزل والضف، بل لم يتوانَ عن نشر الأكاذيب، فقد حاول التملّص من كون بلاده هي المسؤول عما يحصل في اليمن منذ خمس سنوات، لا بل هي المسؤول عما حصل منذ عشرات السنين، منذ اغتيال الحمدي، قبله وما بعده. هل تناسى الجبير إعلان ولي العهد السعودي (وزير الدفاع حينها) في مؤتمر صحفي عاصفة الحزم، والتي كانت السبب الرئيس في صعوده إلى منصب "ولي ولي العهد"؟ هل نسي الجبير تصريحه حول "عاصفة الحزم" عندما كان سفيراً في واشنطن وكان أحد أسباب صعوده إلى منصب وزير الخارجيّة؟ هل نسي عندما قال في مؤتمره الصحفي بأن العدوان هو لدعم الرئيس المستقيل والمنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي؟ فكيف لا تكون السعوديّة هي التي بدأت هذه الحرب؟
رابعاً: إن دلّ كلام الجبير على شيئ اليوم، فإنما يدل على الفشل التام للسعويّة سياسياً وعسكرياً. هذا الفشل السياسي اليوم هو ترجمة صريحة للفشل العسكري خلال السنوات الخمس الماضية. لم يعد بإمكان السعودي إلاّ التسليم بوقائع الميدان والخضوع لإرادة الشعب اليمني، ولكنّ الجبير، وعلى شاكلة المحاولات العسكرية الفاشلة خلال السنوات الثلاث الماضية، قام بمناورة سياسية فاشلة، بل حتّى العبارات التي استخدمها أثارت حفيظة المعارضين لأنصار الله، فضلاً عن الشعوب الديموقراطية التي تعرف معنى العملية السياسيّة.
خامساً: قد يسأل البعض، اذا كانت تصريحات الجبير هزيلة إلى هذا الحد، فلماذا نطق بها اذاً. والإجابة تكمن في الرجوع إلى الرؤية السعودية تجاه الدول الخليجية بشكل عام، واليمن على وجه الخصوص حيث تنظر السعودية إلى هذه الدول بشكل عام على أنها حدائق خلفية وأماميّة، ولعل هذه الرؤية تصل إلى ذروتها في اليمن.
في الخلاصة، يشير كلام الجبير في أبعاده إلى اليأس من تحقيق أي تقدّم ميداني، وبالتالي البدء بطرح الأكاذيب بأن اليمن هي من بدأت الحرب وليس السعوديّة، أو المغالطات المرتبطة بمشاركة أنصار الله في مستقبل المشهد اليمني. باختصار بدا كلام الجبير هزيلاً وهزلياً على حدّ سواءً، ويصح فيه القول القائل: سكت دهراً.. ونطق هزلاً.