الوقت- كانت زيارة ملك البحرين إلى عشق آباد في بداية عام 2019 نقطة التحول في تعزيز العلاقات بين تركمانستان والبحرين حيث تم تعزيزها من خلال عقد عدة جولات من المشاورات السياسية بحضور وزيري الخارجية في تركمانستان وعقد المنتدى الاقتصادي المشترك بين البلدين في المنامة.
أظهرت تركمانستان خلال السنوات الأخيرة اهتماماً خاصاً في تعزيز علاقاتها مع الدول العربية في الخليج الفارسي، حيث كانت الإمارات وقطر وسلطنة عمان والسعودية أهم الشركاء السياسيين والاقتصاديين لتركمانستان في هذا المجال، لكن، الشيء المثير للاهتمام خلال الأشهر الأخيرة هو جهود تركمانستان بهدف تعزيز علاقاتها مع البحرين.
ففي شأن محاور تعزيز العلاقات مع الدول الآنفة الذكر، تم بشكل عام الأخذ بعين الاعتبار الاستثمار في الطاقة والشحن، بيد أن المشاركة الواسعة النطاق لشركة "دراجون أويل" الإماراتية النفطية في تركمانستان أو استثمار السعودية في مشروع خط أنابيب TAPI أو تعزيز العلاقات مع عُمان في إطار ممر النقل الدولي أوزبكستان - تركمانستان - إيران – عمان، قد تمت جميعها في ذلك السياق. لكن فيما يخص البحرين، يبدو أن الاقتصاد هو المحور الرئيس لتركمنستان من أجل تعزيز العلاقات.
إذ بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البحرين وتركمانستان في عام 1995، ورغم ذلك وبعد فترة طويلة نسبياً من الجمود في العلاقات، يمكن اعتبار عام 2019 نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، وتعتبر زيارة العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة في مارس من العام الحالي إلى عشق آباد ولقائه "قربان قلي بردي محمدوف" أول خطوة جادة في تعزيز العلاقات بين البلدين، فكانت هذه أول زيارة لأعلى مسؤول بحريني إلى تركمانستان في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد تمت بدعوة من بردي محمدوف. وفي وقت سابق في عام 2011، كان بردي محمدوف قد حصل على جائزة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة الخاصة من ملك البحرين. إلا أن قرابة ثماني سنوات قد مرت منذ استلام تلك الجائزة حتى هذا اللقاء الأخير.
رغم ذلك باتت إنجازات زيارة آل خليفة إلى عشق أباد هي النقطة المركزية في العلاقات بين البلدين، حيث تم تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة بين حكومتي البلدين خلال هذه الزيارة بمقترح من بردي محمدوف، كما تم خلال هذه الزيارة إبرام 14 وثيقة ثنائية، وتضمنت هذه الوثائق مذكرة تفاهم للتعاون في مجال النقل ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الحكومة الإلكترونية وتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين مصرفي البلدين المركزيين، بالإضافة إلى ذلك، تم إبرام وثائق أخرى في مجال الشؤون الثقافية بين البلدين وفي مجال التعليم بين الوزارات ذات الصلة وفي مجال الرياضة بين وزارتي رياضة الجانبين وفي مجال السياحة والقضايا الانسانية. والتصديق على اتفاقية الإعفاء من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية كان آخر اتفاق بين الجانبين من أجل تعزيز العلاقات، واختتمت زيارة آل خليفة التي استغرقت ثلاثة أيام إلى عشق آباد في مارس 2019، بإصدار بيان مشترك بينه وبين بردي محمدوف.
وبعد أقل من شهر على هذه الزيارة، أعلنت شركة (GPIC) البحرينية في أبريل / نيسان أنها وقعت على العديد من الاتفاقيات مع الشركات التركمانية الحكومية، وتم الإعلان عن عدة مشاريع مشتركة لهذه الشركة، بما في ذلك بناء المرحلة الثانية من مجمع إنتاج البنزين المختلط في محافظة "أخال" وبناء مجموعة إنتاج مواد كيميائية مثل البولي بروبيلين والبولي إيثيلين وبولي فينيل كلوريد وعدد من المنتجات الأخرى في مدينة "كيانلي" الساحلية.
وبعد ثلاثة أشهر، وصل وزير خارجية البحرين عبد الله بن أحمد آل خليفة في شهر يوليو إلى عشق أباد للمشاركة في الاجتماع الاستشاري السياسي الثاني بين البلدين، وخلال زيارته، التقى وزير الخارجية التركماني "رشيد مرداف" وتبادلا وجهات النظر حول تنفيذ 14 وثيقة تم التوقيع عليها خلال اجتماع قادة البلدين، وكان تعزيز العلاقات التجارية والتعريف بالبحرين كبوابة للدخول في سوق الخليج الفارسي من أبرز المحاور الأخرى لهذه المحادثات.
كما تم في أوائل سبتمبر، عقد جولة جديدة من المشاورات السياسية بين البلدين في عشق أباد خلال زيارة وفد سياسي ودبلوماسي بحريني برئاسة نائب وزير الخارجية، وفي هذا الاجتماع تمت مناقشة القضايا المتعلقة بتسهيل ظروف الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين.
اللقاء التالي لوزيري خارجية البلدين عقد في نيويورك في أوائل شهر أكتوبر على هامش الاجتماع الرابع والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تم التأكيد من قبل الجانبين خلال هذا اللقاء على تنفيذ الاتفاقيات السابقة، كما التقى "مرداف" على هامش الجمعية العامة بوزيري خارجية الإمارات وعمان.
كان أول حدث مشترك بين البلدين استضافته البحرين، هو المنتدى الاقتصادي المشترك بين البحرين وتركمانستان في المنام، إذ كانت جميع اللقاءات الثنائية قد جرت في عشق أباد ولقاء واحد في نيويورك، ففي الفترة بين 26 و 28 نوفمبر ترأّس الوفد التركماني إلى البحرين رئيس غرفة التجارة "دولتغلدي رجبوف"، ورافقه في هذه الزيارة ممثلون عن العديد من الوزارات التركمانية، بما في ذلك وزارة الخارجية والتجارة والعلاقات الاقتصادية الخارجية والاقتصاد والمالية والصناعة والمواصلات والنسيج والزراعة وحماية البيئة، كما رافقه في هذه الزيارة ممثلو شركات تركمانستان النفطية والكيميائية الحكومية، وكذلك المصرف الحكومي للشؤون الاقتصادية الخارجية وغرفة الصناعيين في تركمانستان.
وطوال أيام هذا المنتدى الاقتصادي المشترك، تم إبرام مذكرات تفاهم واتفاقيات بين الحلقات التجارية في البلدين والهياكل الحكومية، حيث تمت هذه العقود استناداً على إعلان رسمي من الجانبين في مجالات كتكرير النفط والكيماويات والمنسوجات والصناعات الغذائية وبناء السفن والاتصالات والسياحة والتجارة والأعمال المصرفية.
وفي الوقت الراهن، اقترحت المجموعات المالية - الصناعية البحرينية على تركمانستان تنفيذ مشاريع مشتركة أخرى، كما تم سابقاً دعوة الشركات البحرينية للمشاركة في بناء مشروع خط أنابيب TAPI.
وفي النهاية، ينبغي الإشارة إلى أن المحور الرئيس لتعزيز العلاقات بين تركمانستان والبحرين كان حتى الآن يركّز على القضايا الاقتصادية والتجارية، إلا أنه يمكن القول إن هذه الجمهورية في آسيا الوسطى تتطلع إلى الجغرافيا السياسية البحرينية من أجل دخول الأسواق الرئيسة الكبرى لدول مثل السعودية والإمارات، وفيما يخص القضايا السياسية والأمنية ليس هناك حتى اللحظة أي معلومات صدرت عن مسؤولي البلدين.