الوقت- بعدما عمل الكيان الاسرائيلي علی تقسيم السودان منذ ستينيات القرن الماضي، خاصة بعد دعم الجيش المصري من قبل الجيش السوداني في عام 1973، وبعدما تكللت الجهود الإسرائيلية بالنجاح من خلال تحقق الحلم الإسرائيلي الذي تمثل في تقسيم السودان الی دولتين في يناير 2011، إثر انفصال جنوب السودان، باتت تل أبيب تعمل الیوم علی تأجيج الحرب الأهلية داخل جنوب السودان، وذلك لعله لغرض فرض هيمنتها علی معادنه الطبيعية وفي مقدمتها الیورانيوم والذهب، وخام الحديد، والنحاس والفضة، فضلا عن نفط هذه الدولة التي يسيل له اللعاب الإسرائيلي، فكيف سيكون مصير جنوب السودان مع استمرار الخطط الإسرائيلية لتاجيج سعير نار الاقتتال الداخلي في هذا البلد الافريقي؟
وفي هذا السياق صدر خلال الايام الماضية تقرير من قبل الامم المتحدة حول الاوضاع في جمهورية جنوب السودان، كشف التقرير أن الكيان الإسرائيلي زود طرفي الصراع في هذه الدولة بانواع السلاح، مما سهل ذلك استمرار أمد الصراع بين قوات «جيش التحرير الشعبي» والذي هو جيش الحكومة المركزية، والجهات المعارضة. حيث تشير التقارير الواردة من جنوب السودان الی أن جيش التحرير السوداني المدعوم من قبل تل أبيب، يعتمد سياسة الأرض المحروقة في معاملة خصومه، مما ادت هذه السياسة الی حرق بيوت الكثير من السكان المدنيين وإغتصاب العديد من النساء في تلك المناطق.
ويعتبر الكيان الإسرائيلي إحدى الجهات الرئيسية التي زودت جنوب السودان قبل انفصاله عن السودان بالسلاح وذلك لغرض مواجهة الجيش السوداني لنيل هدف الانفصال. بالاضافة الی أن الکيان الإسرائيلي الذي يحتلّ المرتبة العاشرة في العالم في مجال مبيعات السلاح، زاد من صادراته للسلاح بحجم 40 في المئة، هذا العام، للدول الأفريقية مقارنة بالعام الماضي وفق تقرير صدر في أيار الماضي. وفيما اوصی التقرير الأممي، الی وقف ارسال السلاح من قبل الكيان الإسرائيلي الی جنوب السودان، لوقف الحرب الأهلية في هذه الدولة، فان الكيان الإسرائيلي يمتنع عن إعطاء اي تفاصيل حول تصدير السلاح الی جنوب السودان.
وفي ظل هذه الاتهامات للكيان الإسرائيلي بانه يساهم في أزمة الحرب الدائرة في جنوب السودان، فان وزارة الحرب الإسرائيلية تملصت الشهر الماضي من الاجابة علی سؤال حول ماإذا كانت تل أبيب لازالت مستمرة في بيع السلاح لجنوب السودان، ام اوقفت ذلك. ويحظر القانون الدولي بيع الاسلحة وتقديم جميع اشكال المساعدات العسكرية التي يتم استخدامها في جرائم حرب ضد الإنسانية. ويذكر أن الحرب الأهلية في جنوب السودان اندلعت في ديسمبر من العام 2013 بين القوات الموالیة للرئيس الحالي «سالفا كير»، ومتمردين تابعين لنائبه السابق «رياك مشار».
وفي الثاني من شهر حزيران/ يونيو الماضي حاول متظاهرون، منع جنوب السودان من المشاركة في أنشطة معرض تجاري للصناعات الحربية اقيم في تل أبيب، بسبب الاتهامات التي تراود حكومة جنوب السودان باستخدام السلاح الإسرائیلي في عمليات عنف ضد المعارضة السودانية، مما ادی ذلك الی اتخاذ تعزيزات أمنية إسرائيلية مشددة في محيط المعرض، حسب ما اعلنت وسائل إعلام اسرائيلية.
وفي غضون ذلك اتهمت أوساط اسرائيلية، رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، بتمكين حكومة جنوب السودان علی إرتكاب جرائم حرب ضد الانسانية، في هذه الدولة من خلال دعم حكومة جوبا بالسلاح الذي تستخدمه ضد خصومها في المعارضة بقيادة «رياك مشار». وقال في هذا السياق المحامي الإسرائيلي «إيتي ماك»، والذي يقال عنه بانه يراقب صادرات السلاح الإسرائيلي إلى الخارج، أن «إسرائيل تواصل عقد صفقات السلاح مع جنوب السودان، على الرغم من إصدار منظمات حقوق الإنسان الدولية تقارير تؤكد ارتكاب جيشها جرائم حرب ضد الإنسانية». وفي سياق متصل اوضحت صحيفة «معاريف» نقلا عن هذا المحامي أن «عمليات الاغتصاب التي ينفذها جنود جيش جنوب السودان ضد نساء وقاصرات، تتم عبر تهديدهن بالسلاح الذي تصدره إسرائيل إلى جنوب السودان».
واضافة الی بيع السلاح الی جنوب السودان، يستمر الكيان الإسرائيلي في تزويد هذا البلد الإفريقي بالخبرات الأمنية والتعاون الإستخباراتي مع جوبا، حيث أن جهات اسرائيلية أنشأت أنظمة مراقبة في جنوب السودان لاغراض استخباراتية خلال الفترة الاخيرة. وتشير المعلومات الی أن تل أبيب عملت علی حرب سرية في جنوب السودان لتامين مصالحها الإستراتيجية في افريقيا، منذ ستينيات القرن الماضي، تكللت في نهاية المطاف بانفصال جنوب السودان عام 2011، من خلال استفتاء جری بعد ضغوط دولية تمت ممارستها علی الخرطوم.
إذن ومن خلال شهادة الامم المتحدة بات واضحا أن تل أبيب تلعب دورا جوهريا في تاجيج صراع جنوب السودان، من خلال انتهاك القانون الدولي وتزويد الاطراف المتصارعة بالسلاح، بعد أن كانت تل أبيب وعدت الجنوبيين بان دولتهم القادمة ستكون واحة في مجال الحرية والديمقراطية والصناعة، في حال انفصلوا عن السودان. وفي حال استمرت تل أبيب بتصدير السلاح الی جنوب السودان والجهات المتصارعة في هذه الدولة، فان ذلك سيكون عاملا في مقتل مئات الآلاف من الأبرياء، بعد أن قتل منهم خلال سنة ونصف مضت علی الحرب الأهلية، عشرات الآلاف. إذن هي المصالح الناجمة عن بيع السلاح من قبل الكيان الإسرائيلي، لجنوب السودان، هي التي جعلت تل أبيب تصمت إزاء الاحداث الجارية في هذه الدولة خلال الأشهر الماضية. لكن هذا الصمت من قبل الاسرائيليين یجب ان لا يكون عاملا لعدم ملاحقتهم علی إنتهاك القانون الدولي، من قبل المنظمات الدولية بسبب ارسال السلاح لجنوب السودان.