الوقت- يواصل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري جولاته السياسية ذات الطابع الاقتصادي، آخر هذه الزيارات تمثّلت في زيارته إلى الإمارات، البلد الذي توجّه إليه مُكرهاً أثناء فترة اعتقاله في السعوديّة.
لا شكّ أن هذه الزيارة لن تُصلح الوضع الاقتصادي اللبناني المتأزم، والذي يعدّ آل الحريري وشركاؤهم كالسنيورة، أحد أبرز المسؤولين عنه، لم يعد الحريري بخفّي حنين هذه المرّة، إلا أنه في الوقت عينه لا يمكن القول بأن الزيارة كانت مثمرة، بل اقتصرت الغلّة الحريرية من الإمارات على السماح للمواطنين الإماراتيين منذ اليوم بالسفر إلى بيروت.
بعيداً عن الصدى الذي يحاول الحريري إيجاده من خلال هذه الزيارات، والذي لعلّه يهدف لتجنّب تحمّل المسؤولية تجاه الواقع المالي اللبناني، لا ندري ما الذي حصل في اللقاء الثنائي الذي عقده مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وهو لقاء ثنائي لم يحضره أي من أعضاء الوفد اللبناني لمدة خمس وأربعين دقيقة، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: لم يكن تصويب الحريري سهامه على حزب الله من الإمارات أمراً مستغرباً، بل اعتاد على هذا الأسلوب في المحافل الداخلية والدولية غير ملتزم بالواقع الحكومي وما أفرغته صناديق الانتخابات الأخيرة باعتبار أن الحزب يمثّل شريحة لبنانية كبرى، ولكن في الوقت عينه طالب الحريري - بما معناه- بالفصل بين "حزب الله الإقليمي و"حزب الله" المحلي اللبناني، أي الفصل بين الحزب كقوة سياسية مشاركة في الدولة والحكومة والبرلمان وقوّة مقاومة في وجهة "إسرائيل"، وهذا معنى لبناني أيضاً، وبين "حزب الله" الذي يقحم نفسه في الصراعات الإقليمية الكبرى من سوريا إلى اليمن مروراً بالعراق، بعبارة أخرى يريد الحريري تطبيق سياسة النأي بالنفس وفق رؤيته، أي إظهار الحزب على أنه غير ملتزم بسياسة النأي بالنفس، دون أن يدخل في صدام مباشر مع حزب الله.
ثانياً: وهنا نسأل كيف لحزب الله أن ينأى بنفسه عن النار المشتعلة في سوريا، والتهديدات التي أطلقتها الجماعات الإرهابية في بداية الأزمة؟ لماذا لا تتحدث دول غرب أوروبا وشرقها وما وراء المحيطات عن النأي بالنفس بل شاركت في التحالف الدولي الذي حمل عنوان محاربة داعش إلا أنه في الحقيقة لم يكن كذلك؟ نسأل الرئيس الحرير: ألم يحمي حزب الله الإقليمي لبنان من نيران الكيان الداعشي، كما حمى لبنان من نيران الكيان الإسرائيلي؟.
ثالثاً: من حق الحريري أن يبحث عن دور اقتصادي خليجي في لبنان، كما أن حزب الله لا يعارض أي دور اقتصادي خليجي في لبنان شريطة ألّا يكون مقرونًا بمواقف سياسيّة، بطبيعة الحال لن يقبل حزب الله لأي طرف خارجي بفرض أجندته السياسية على لبنان مقابل ودائع اقتصاديّة، وهذا ما يسعى بعض السياسيين للترويج له داخل لبنان وخارجه.
رابعاً: على أرض الواقع، هناك الكثير من طبّل وزمّر للخطوة الإماراتيّة اليتيمة، وبالتالي يبدو أن الحريري قد دفع مواقف سياسية تفوق الامتيازات الإماراتية المقدّمة.
هناك توجّه خليجي لتحميل حزب الله مسؤولية الوضع القائم، فهل حزب الله مسؤول عن الفساد الاقتصادي في البلد؟ ألم يكن حزب الله بعيداً عن الحكومة لسنوات عدّة واقتصرت مشاركته على البرلمان؟ ألم يدخل حزب الله في الحكومة لحماية وضعه الداخلي ومنع أي تآمر على المقاومة من داخل الحكومة وبيانها الوزاري؟.
خامساً: في المضمون، لم يختلف موقف الحريري في الإمارات عن موقفه في واشنطن، بل يعدّ هو نسخة من الموقف أعلنها خلال المقابلة التي أجرتها معه قناة سي.أن.بي.سي الأمريكية في أيلول الماضي في محاولة لتصدير هذه المشكلة من لبنان وجعلها مشكلة إقليمية دولية.
في الخلاصة، لم تُثمر زيارة الحريري إلى الإمارات وبدل أن تكون ذات منفعة اقتصادية لبيروت اقتصرت على الدعم الكلامي، ليدفع الحريري سياسياً تجاه حزب الله أكثر مما جناه اقتصادياً.