الوقت - يمكن التعرّف على التطورات في منطقة غرب آسيا خلال العقد الماضي من خلال مجموعة متنوعة من الأحداث التي كانت لها آثار عميقة على النظام الدولي والوضع في المنطقة، وستظل ملحوظةً حتى المستقبل المنظور.
التطورات الإقليمية في هذه الفترة ارتبطت ببعض الشخصيات البارزة التي كان لها وزن كبير في سياق الأحداث.
وأحد هذه الشخصيات البارزة هو بالتأكيد القائد اللواء "قاسم سليماني"، وهو اسم معروف للرأي العام في المنطقة ومتابعي التطورات الإقليمية في جميع أنحاء العالم.
هذا القائد الإيراني العظيم، الذي ارتبط اسمه بالمعارك الكبيرة والانتصارات التي لا تصدَّق والإرادة التي لا تقهر في ساحات القتال، كان كابوساً مرعباً لأعداء المقاومة في السنوات الأخيرة.
يتولّى اللواء سليماني قيادة قوة القدس منذ عام 1397، وقبل ذلك أثناء الحرب العراقية الإيرانية، كان قائداً لفرقة "ثار الله 41" وقائد عمليات "الفجر 8" و"كربلاء 4 و5".
وبعد انتهاء فترة الحرب (الدفاع المقدس) تم تعيينه قائداً لقوة القدس، كان يحارب عصابات تهريب المخدرات بالقرب من الحدود الإيرانية الأفغانية.
حتى قبل حرب الـ 33 يوماً بين حزب الله والكيان الإسرائيلي، لم تكن قوة القدس على ألسنة الناس كثيراً ولم تكن وسائل الإعلام تعرف عنها شيئاً، ولكن مع هزيمة ما يسمى بالجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر أمام مجموعة صغيرة في تلك الفترة، اتجهت أنظار العالم إلى دور قوة القدس وقائدها الاستراتيجي الإيراني أي اللواء سليماني.
لكن المواجهة الفلسطينية مع الكيان الإسرائيلي في ثلاث جولات تلت حرب الـ 33 يوماً، والتي خرج منها الكيان مهزوماً مدحوراً في كل مرة، دفعت أذهان المحللين العسكريين ووسائل الإعلام وحتى السياسيين، إلى البحث عن الخلفية الفكرية واللوجستية لحركات المقاومة.
إلى أن بدأت تطورات الصحوة الإسلامية وبدأ معها اسم وسمعة قائد قوة القدس يجري على كل لسان في المنطقة، وعلى الفور بدأت مراكز الفكر والبحث الغربية بتحليل شخصية وأداء الحاج قاسم سليماني.
كما أن غيابه عن المقابلات مع وسائل الإعلام وعدم الظهور أمام كاميرات المصورين والأفلام الوثائقية، جعل من هذا الخبير الاستراتيجي الإيراني العظيم شخصيةً معقّدةً وغير معروفة للصهاينة.
كذلك ارتبط اسمه، من ناحية أخرى، بهزيمة أكبر مجموعة إرهابية وأكثرها رعباً في التاريخ المعاصر، فبعد ظهور داعش في العراق وسوريا، حضر سليماني بصفته قائد قوة القدس، إلى هذه المناطق ومن خلال تنظيم قوات شعبية، قاتل هذه المجموعة ولعب دوراً رئيساً في إحباط هذه المؤامرة الأجنبية الكبيرة على المنطقة.
يقال إن سليماني يعرف سوريا جيداً جداً، ولديه معرفة جيدة بالعراق أيضاً.
في عام 2014، سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل، وباتت بغداد العاصمة العراقية على مشارف السقوط، وكان لقاسم سليماني دور فعّال في طرد داعش من العراق من خلال تنظيم جزء من قوات الحشد الشعبي، بحيث اعتبره رئيس الوزراء العراقي حينذاك "حيدر العبادي" أحد حلفاء العراق الرئيسيين في الحرب ضد داعش.
وفي عام 2017، أعلن في رسالة إلى قائد الثورة الإسلامية تنفيذه لمهمة هزيمة داعش.
هذا الدور الذي كان يتعارض تماماً مع الخطط الغربية للمنطقة، جعل الحكومات الغربية تدَّعي زوراً بأن القوات الإيرانية متورطة في الشؤون الداخلية السورية، ما دفع الاتحاد الأوروبي وأمريكا إلى إدراج ثلاثة من قادة الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة العقوبات الخاصة بهم، وكان سليماني واحداً منهم.
كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على سليماني مجدداً، بعد أن اتهمت الإدارة الأمريكية إيران بالتورط في مؤامرة تفجير السفارة السعودية في واشنطن.
ولكن القصة لم تنته عند هذه العقوبات، حيث تم اتهامه باغتيال رفيق الحريري، وأخيراً اقترحوا اغتياله في الكونغرس الأمريكي صراحةً.
منح آية الله السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، يوم الأحد 21 مارس، وسام "ذو الفقار" إلى اللواء في الحرس الثوري قاسم سليماني، وهو أعلى الأوسمة العسكرية في إيران، ليصبح سليماني أول قائد إيراني بعد الثورة يحصل على هذا الوسام.
قائد الثورة الإسلامية المعظّم قال في مراسم منح الوسام للواء سليماني: الحمد لله، كل واحد منكم قد خاض ميادين الجهاد هذه، وسعيتم جاهدين، وقد منَّ الله تعالى على أخينا العزيز –السيد سليماني- وزاد في توفيقاته، لقد عرّض حياته مراراً وتكراراً للخطر أمام الأعداء، وجاهد في سبيل الله ولله مخلصاً له، أسأل الله التوفيق له وجزاه الله خير الجزاء، وأسعده في حياته وختمها بالشهادة في سبيله، ولكن ليس الآن، فمازالت الجمهورية الإسلامية بحاجة إليه لسنوات طوال، ولكن في النهاية ستكون الشهادة إن شاء الله. مبارك عليكم.
كما أسلفنا، يعتبر اللواء قاسم سليماني اليوم بالفعل اسماً مألوفاً للرأي العام في المنطقة والإعلام والسياسيين في جميع أنحاء العالم، وفي عام 2019، أدرجت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية قاسم سليماني في قائمة أفضل خمسة مفكرين في العالم في مجال الدفاع والأمن.
فيما يلي نعرض بعض العناوين والتحليلات التي قامت بها وسائل الإعلام ذات الشهرة العالمية بشأن اللواء سليماني وأدائه.
وول ستريت جورنال: اللواء سليماني هو المسؤول العسكري عن العمليات العابرة للحدود والسرية في الحرس الثوري الإيراني.
صحيفة "ديلي ستار" البريطانية عنونت عن اللواء سليماني بأنه رجل محاربة داعش في عامي 2014 و 2015.
وتشير الصحيفة إلى خصائص اللواء قاسم سليماني بصفته قائداً لقوة القدس، وتقول: كانت أيديولوجية قائد قوة القدس مزيجاً من المقاربة الناعمة والاستراتيجية الصعبة، ولعب دوراً بين عامي 2014 و 2015 لمساعدة القوات الشعبية في محاربة "الدولة الإسلامية" (إرهابيي داعش).
من جانبها نشرت صحيفة "ذا اوبزرفر" البريطانية مقالاً قالت فيه إن قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني، على الأرجح هو الوحيد الذي يمكنه هزيمة داعش.
صحيفة "بزنس إنسايدر" اعتبرت أن اللواء قاسم سليماني هو "العقل المدبّر" لعملية مكافحة الإرهاب.
نيوزويك: "اللواء سليماني" العقل المدبر لإيران في الحرب ضد الإرهاب.
نيويوركر: اللواء قاسم سليماني رجل منطقة غرب آسيا القوي.
"لماذا قاسم سليماني قوي في الشرق الأوسط؟" في العام الماضي، افتتحت صحيفة "بزنس إنسايدر" مقالها القصير بهذا العنوان، وكان "جيفري إنجرسول" قد اعتبر قاسم سليماني شخصية الشرق الأوسط القوية التي يمكن أن تكون في أي مكان تريده.
لكن إلى جانب تحليل وسائل الإعلام خارج الحدود الجغرافية لإيران، هناك العديد من الأساطير حوله، وهي الأساطير التي لم يتم تأكيدها أو إنكارها من قبل أي مسؤول رسمي أبداً.
فمرةً تحدثوا عن رسالته إلى الجنرال الأمريكي 4 نجوم، وأخرى تحدّثوا عن رسالته التي زعموا أن رجاله قد وضعوها على طاولة وزير الدفاع الأمريكي "يجب أن تعرفني، أنا قاسم سليماني".
يقولون عندما تم تسليم الهاتف إلى الجنرال "بترايوس" قائد القوات الأمريكية في العراق، وجد هذه الرسالة.
وبالتحديد عندما كان قد ذهب إلى العراق عام 2008 بشأن الحرب بين الميليشيات والجيش الأمريكي، أو حين وجود وزير الدفاع الأمريكي الأسبق "ليون بانيتا" في العراق، توضع رسالةٌ على مكتبه، ما يذهله بشدة، وكانت الرسالة غير مختومة بختم البنتاغون، وكتبت فيها جملة واحدة فحسب: إذا لزم الأمر، سنقترب أكثر من هذا أيضاً، قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني.