الوقت- مع ارتفاع وتيرة استهداف مقار الحشد الشعبي في العراق، يُفتح باب تساؤلات كبرى قد تكون إجابتها أكبر من أن يتوقّعها البعض، فقد ضربت انفجارات الثلاثاء معسكراً آخر للحشد الشعبي في العراق، فيما تشير تقارير إلى أن "إسرائيل" هي من شنّت هذه الغارات.
هذه ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها معسكرات الحشد الشعبي لاستهدافات باتت ممنهجة، ففي 19 تموز الماضي تعرّض معسكر الشهداء في آمرلي بمحافظة صلاح الدين، لقصف مماثل، وبعد ذلك بوقت قصير تعرّض معسكر الشهيد أبو منتظر المحمداوي في ديالى لقصف، قُيّد أيضاً ضد مجهول، وهذا ما حصل قبل أيام في معسكر الصقر جنوبي بغداد.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية ومحللون عسكريون صهاينة كانوا قد كشفوا في وقت سابق أن "إسرائيل" هي التي تقف وراء عمليات القصف، التي تنفّذ بالتعاون مع القوات الأمريكية الموجودة في العراق، الأمر الذي أكّده التسجيل الصوتي الذي نسب لقائد عمليات الأنبار محمود الفلاحي مع أحد عملاء الاستخبارات الأمريكية الذي طلب من الفلاحي معلومات عن مواقع الحشد الشعبي والقوات العراقية.
أسئلة عدّة تطرح نفسها: لماذا هذا الاستهداف من قبل الكيان الإسرائيلي؟ لماذا الحشد الشعبي تحديداً؟ وما هو أفق الرد الذي يمكن لقوات الحشد اعتماده؟
منذ صعود نجمه مع فتوى الجهاد الكفائي والانتصارات التي حققها على تنظيم داعش الإرهابي، تعرّض الحشد الشعبي لهجمات واسعة، تارة ناعمة والأخرى صلبة.
الهجمات الناعمة كانت على أكثر من صعيد، لكن التجربة التي مارستها قوات الحشد الشعبي على الأراضي العراقية والتزامها التام بتوجيهات القائد العام للقوات المسلّحة منذ أن تم دمجها في القوات المسلّحة قوّضت نتيجة الهجمات الإعلامية الشرسة التي مارستها كلٌّ من واشنطن وبريطانيا وبعض الدول العربيّة.
وأما الهجمات الصلبة فقد بدأت منذ الشرارة الأولى لانطلاقه، حيث عمدت واشنطن لتزويد تنظيم داعش الإرهابي بالسلاح في العديد من المعارك التي حاصرت فيها قوات الحشد التنظيم، لكن التبرير الأمريكي كان جاهزاً "عن طريق الخطأ"، وهي الذريعة المعلّبة التي تستحضرها واشنطن دائماً عندما تريد تسويغ أفعالها.
وأما واشنطن وبعد فشل مخططاتها في ضرب هذه القوات سواء في المجلس النيابي العراقي، أم حتى على الأرض بعد نجاح قوات الحشد في تحرير البلاد، باتت مكبّلة الأيدي على الأراضي العراقية، لا لالتزامها بتوجيهات الحكومة العراقية، بل لإدراكها جيّداً حجم الصفعة التي ستتلقاها من قوات الحشد في حال قررت الدخول في حرب مفتوحة معه.
هنا بدأت واشنطن بالبحث عن البديل، وبما أن حلفاءها الإقليميين، غير الكيان الإسرائيلي، غير قادرين على الدخول في مثل هذه المواجهة نظراً للتبعات الكارثية لها، عمدت واشنطن إلى اختيار الكيان الإسرائيلي لتنفيذ هذه المهمّة على أن تكون واشنطن هي مصدر المعلومات والداعم اللوجستي الأوّل، بينما تكون الضربة إسرائيلية التنفيذ لا أكثر.
لا ننكر وجود مصالح إسرائيلية من هذه الضربات ترتبط بسياساتها العدوانية التي تسعى من خلالها لترسيخ نفسها كشرطي المنطقة. هذه المصلحة الإسرائيلية في نظر تل أبيب باتت أكثر إلحاحاً اليوم، ولاسيّما أن الطائرات الإسرائيلية مكبّلة في الأراضي اللبنانية بسبب معادلات الردع التي رسّخها حزب الله.
في سوريا لم تفلح الضربات الإسرائيلية في منع الصواريخ الذكية من الوصول إلى حزب الله، كما أن استهداف حكومة الرئيس الأسد خط أحمر بالنسبة لروسيا وأي تجاوز في هذا المجال قد يفضي إلى تشغيل منظومة الـ"اس 400" الروسيّة، وبالتالي لا بدّ من البحث عن ساحة بديلة.
الطموح الإسرائيلي العدواني من جهة، والمصلحة الأمريكية من جهة اخرى دفعت بواشنطن التي تدعم الجيش الإسرائيلي سنويا بـ3 مليارات دولار، لاستخدام سلاح الجو الإسرائيلي في استهداف الحشد الشعبي، فما هي مصالح الكيان الإسرائيلي وواشنطن؟
مصلحة واشنطن من استهداف صمّام الأمان العراقي واضحة، وتتمثّل في التحكّم في قرار بغداد وتكرار تجربة بريمر ولو بشكل مختلف، فضلاً عن أن إضعاف الحشد الشعبي يسمح بتقسيم البلاد وإعطاء الأكراد دولة مستقلّة.
في المقابل، المصلحة الإسرائيلية تنقسم على نوعين، الأول اقتصادي يتمثل بالدعم العسكري والاقتصادي الذي يحصل عليه الجيش الإسرائيلي، والثاني سياسي يتمثّل في محاولات استعادة هيبة الجيش الإسرائيلي، الجيش الذي كان يدّعي في يوم من الأيام أنه الجيش الذي لا يقهر.
الكيان الإسرائيلي يدرك جيّداً أن الحشد الشعبي اليوم ورغم المسافة الجغرافية يشكّل تهديداً وجودياً للكيان المحتلّ.
وأما السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للحشد الشعبي أن يردّ؟
يمتلك الحشد الشعبي جملة من نقاط القوة التي تؤهله للردّ على ضربات الكيان الإسرائيلي، بدءاً من تعزيز قدراته للمعركة الكبرى لمحور المقاومة.
هذه القدرات من ضمنها الطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى على الجهات السايبرية التي رصد بها الحشد أي تورّط أمريكي واضح لاستخدامه سياسياً عبر الضغط على واشنطن، أو ربّما عسكرياً في العراق بنفس النهج الذي تعتمده واشنطن الآن، فإما أن تلتزم واشنطن بقرار الحكومة العراقية أو تتجه الأمور نحو تكرار تجربة2006.
للأسف هناك من يعتقد أن مثل هذه الضربات ستجرّ الحشد نحو المواجهة الداخلية، ولا نستبعد أن تعمد الأذرع البريطانية لزرع فتنة، لكن الحشد يدرك جيّداً أن بعض هذه الأبواق الداخلية تؤدي الأوامر الأمريكية لا أكثر، وبالتالي إن تعزيز الوحدة واللحمة العراقية هي من الأساليب الأخرى التي يعتمدها الحشد اليوم للردّ على الضرابات الأمريكية والإسرائيلية المشتركة.