الوقت- ثلاثة أيام على احتدام المعارك في محيط محافظة إدلب وبالتحديد في ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، حيث يسعى الجيش السوري لاستعادة جميع المناطق الخارجة عن سيطرته وحسم المعركة لمصلحته كما فعل في جميع المناطق التي خرجت عن سيطرته خلال سنوات الأزمة.
التقدم حالياً يجري على المحور المشترك بين ريفَي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، حيث سيطر مساء يوم الأحد على بلدة الهبيط، وهذا يعني أن الجيش قلّص المسافة التي تفصله عن مدينة خان شيخون لنحو 7 كم، بعد سيطرته على بلدة (كفرعين) شرق الهبيط بعد اشتباكات عنيفة مع المجموعات المسلحة في المنطقة.
وأكد مصدر ميداني أن وحدات الجيش تسعى لتوسيع نطاق سيطرتها حول مدينة الهبيط الاستراتيجية بريف إدلب الجنوبي، وتعمل على السيطرة على القرى والمزارع المحيطة بالمدينة من أجل تطويق المسلحين في ريف حماة الشمالي وقطع خطوط إمدادهم القادمة من ريف إدلب الجنوبي.
وتضيف سيطرة الجيش السوري على بلدة (كفرعين) غرب خان شيخون دفعة جديدة للخناق الذي يشتد باطراد حول مناطق سيطرة تنظيم (جبهة النصرة) وحلفائه في ريف حماة الشمالي، كما تتكامل مع سيطرته على بلدة وتلال سكيك شرق خان شيخون.
وأكد المصدر أن الطيران الحربي السوري الروسي المشترك نفّذ سلسلة من الغارات الجوية مستهدفاً مقرات المسلحين في خان شيخون وخطوط إمدادهم في محيطها، ما سهّل تقدّم قوات الجيش السوري باتجاه بلدة كفرعين والسيطرة عليها.
وتمكّن الجيش أيضاً من السيطرة على قرية سكيك شرقيّ خان شيخون، بعد مواجهات عنيفة مع الفصائل المسلحة.
ويشير مسار العمليات العسكرية إلى أن الجيش يسعى للوصول إلى مدينة خان شيخون، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي وأهمها، وذلك للسيطرة عليها، وإحكام الخناق على مثلث "كفرزيتا ـــ اللطامنة ـــ مورك" في ريف حماة الشمالي، الذي يسيطر عليه المسلحون أيضاً. وشهدت بلدة سكيك، اشتباكات عنيفة، إثر محاولات المسلحين استعادة السيطرة عليها.
وبالموازاة، وفي تحرك لافت، سيّرت قوات المراقبة التركية، أول من أمس، دورية عسكرية لها، من نقطة المراقبة التركية في الصرمان في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، باتجاه نقطة المراقبة في مدينة مورك في ريف حماة الشمالي، أي الجيب الذي يسعى الجيش السوري إلى عزله وحصاره.
خطوة يمكن إدراجها في سياق الرفض التركي للتصعيد العسكري في المنطقة، والتذكير بأن الأخيرة تخضع لاتفاق "خفض التصعيد".
إلا أن "خفض التصعيد" هذا فشل إلى حدّ كبير بسبب عجز تركيا عن السيطرة على المجموعات المسلحة التي قالت إنها تمثّلها في محادثات "استانا" و"سوتشي" لنجد هذه المجموعات تسرح وتمرح على كيفها، وتعرّض حياة المدنيين في الأرياف المجاورة لمناطق انتشارها إلى الخطر، ولم تتمكن تركيا من نزع السلاح منهم، الأمر الذي دفع الجيش السوري للتقدّم نحو إدلب لإنهاء هذه التجاوزات وحماية أرواح المدنيين في باقي المحافظات السورية القريبة من إدلب وكذلك حماية المدنيين في إدلب من جرائم المسلحين.
طبعاً هناك أسباب أخرى دفعت الجيش السوري للإسراع في تحرير المناطق القريبة من إدلب، والوصول إلى محافظة إدلب نفسها، ومن أبرز هذه الأسباب، الاتفاق الأخير بين أمريكا وتركيا لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا.
الجيش السوري يريد أن يضغط على المسلحين لردع تركيا عن القيام بمثل هذه الخطوة، التي تعدّ انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، وهذا ما ترفضه سوريا جملة وتفصيلاً، إذ يظهر تصعيد إدلب، الذي يبدو فيه الحضور الروسي لافتاً، كنوع من الضغوط التي تمارسها موسكو على أنقرة، ردّاً على ذهاب الأخيرة نحو التفاهم مع واشنطن فيما يخص شرقيّ الفرات.
وسعت روسيا بحسب "الأخبار"، طوال الفترة الماضية، إلى استغلال ملف شرقيّ الفرات لدفع أنقرة إلى التفاهم مع دمشق على وضع الحدود والعلاقة مع "قسد"، ولمنعها من التفاهم مع رعاة "قسد" الأمريكيين.
وطرحت موسكو، في هذا السياق، خيار العودة إلى "اتفاق أضنة" الموقَّع بين دمشق وأنقرة عام 1998، والانطلاق منه نحو التوصل الى "تفاهم جديد"، إذ يمنح هذا الاتفاق أنقرة حق التوغل مسافة تصل إلى 5 كم داخل الأراضي السورية لضرورات "مواجهة الخطر الإرهابي".
ومع فشل الطروحات الروسية، وتوصل أنقرة إلى تفاهم مع واشنطن على المنطقة الآمنة، يبدو "جدّياً" حتى الآن، بالإضافة إلى الانهيار السريع لهدنة إدلب المقررة في "أستانا 13"، والتصعيد العسكري الكبير الذي تبعها، يبدو مسار "أستانا" أمام تحديات كبرى وحساسة.
ومع هذا، أعلن المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف "أننا في الواقع على بعد خطوة واحدة من وضع اللمسات الأخيرة على العمل على إنشاء لجنة دستورية"، لافتاً إلى أن التحضيرات مستمرة لعقد قمة ثلاثية في تركيا، تجمع الأولى وروسيا وإيران، الشهر المقبل.
في الختام.. التطورات الميدانية في الشمال السوري، تشير إلى تقدّم كبير يحرزه الجيش السوري في ريف إدلب الجنوبي، بعد أن غيّر تكتيكات المعارك وأجرى تعديلات على خطط الهجوم، وبعد أن انهارت الهدنة الأخيرة التي أعلن عنها بداية هذا الشهر، بسبب خرقها من فصائل إدلب بشكل واضح من خلال استهدافهم بالصواريخ قاعدة حميميم الروسية.
ومن خلال مراقبة حركة تقدّم الجيش السوري فان اعتمد فتح خمسة محاور أهمها محورين متقابلين تماماً مثل فك الكماشة الأول من سكيك شرقاً والثاني انطلاقاً من الهبيط في الجهة المقابلة.
ويسعى الجيش السوري فيما يبدو إلى الوصول إلى مدينة خان شيخون أكبر مدن الريف الجنوبي لإدلب، وبذلك يعزل الجيش السوري كامل الريف الشمالي لمدينة حماة عن إدلب، وستكون كل المناطق مثل اللطامنة وكفرزيتا ولطمين ومورك، محاصرة من جميع الجهات، بعد قطع خطوط الإمداد وبحكم الساقطة عسكرياً.