الوقت- لقد أدّى ظهور تنظيم داعش الإرهابي بقيادة "أبو بكر البغدادي" في العراق واحتلاله جزءاً كبيراً من الأراضي والمدن العراقية، إلى تفاقم الأزمة العراقية الداخلية وانهيار الهيكل السياسي العراقي بشكل جزئي خلال السنوات التي تلت عام 2003 ومن ناحية أخرى، تسبّب وجود هذه الجماعة الإرهابية في العراق بقدوم الكثير من القوات العسكرية الغربية غير المرغوب فيها، ولا سيما القوات العسكرية التابعة لأمريكا.
وبالنظر إلى مستويات هذه الأزمة نرى بأن تلك القوات الغربية تسببت خلال الأيام التي تلت فترة نهاية خلافة تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق، بالكثير من المتاعب للحكومة العراقية الحالية.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية عن تسجيل صوتي مسرّب لمحادثة هاتفية بين قائد عمليات الأنبار اللواء الركن "محمود خلف الفلاحي" وعميل للاستخبارات الأمريكية CIA عراقي الجنسية.
ويظهر في التسجيل مطالبة عنصر الـ CIA من قائد عمليات الأنبار، تزويده بإحداثيات مواقع الجيش العراقي والقوى الأمنية والحشد الشعبي وفصائل المقاومة، مشدداً وبالاسم على مواقع كتائب حزب الله في القائم بشكل خاص، وفي قاطع عملياته بصورة عامة.
كما جاء في التسجيل، أنه تم تنفيذ هجمات من قبل سلاح الجو الأمريكي والصهيوني ضد القوات الأمنية الموجودة في تلك المناطق، فضلاً عن قصف مواقع فصائل المقاومة بمختلف تصنيفاتها.
وطالب عنصر الـ CIA قائد عمليات الأنبار بإجراء لقاءات مع قيادات الجيش الأمريكي والمخابرات الأمريكية على أن يختار مكان اللقاء بين إربيل والحبانية.
كما تضمّن التسجيل محادثات على "الواتس أب" بين الطرفين، تضمّنت تقديم "الفلاحي" لإحداثيات ودراسة مفصّلة عن الجيش العراقي وقوى الأمن والحشد الشعبي وفصائل المقاومة في الأنبار.
ويظهر في المحادثات، تعهّد قائد عمليات الأنبار بضمان ولاء بعض قادة الفرق ومن ضمنهم ضابط يدعى "مؤيد"، مطمئناً عنصر الـ CIAبأن يقدموا على القصف ولا يتخوّفوا من الجيش لأنه سيكون المسؤول عنه.
ولم ينتظر الفلاحي طويلاً فلقد كشف عن أماكن انتشار قوات الإمام علي فيما بين الفلوجة ومنطقة أبو غريب في أطراف بغداد، في خطوة منه لخلق فجوة أمنية باتجاه العاصمة.
كما زوّد الفلاحي عنصر الـCIA بمواقع استراحة ومنام القيادات في الحشد الشعبي وفصائل المقاومة، بعد تزويده بدراسة معزّزة بالصور والإحداثيات والإحصائيات.
حماية الحكومة العراقية الرمزية لقوات الحشد الشعبي
كشفت العديد من المصادر الإخبارية، بأن رئيس مجلس الوزراء العراقي "عادل عبد المهدي"، أعلن البدء بتنفيذ الأمر الديواني بشأن الحشد الشعبي، مشيراً إلى وضع آلية لإدارة المناصب بالوكالة داخل مؤسسات الدولة، وحول هذا السياق قال "عبد المهدي" خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي: "الحشد الشعبي قوة مضحيّة ودماؤها ساعدت بتحرير العراق، ولقد بدأنا بتنفيذ الأمر الديواني بشأن تشكيلاته، بناء على مقتضيات المصلحة العامة.. تعمل جميع قوات الحشد الشعبي كجزء لا يتجزّأ من القوات المسلحة العراقية".
وفيما يتعلّق بالمناصب الشاغرة في الدوائر والمؤسسات الرسمية، أعرب رئيس الوزراء العراقي، قائلاً: "لقد وضعت آلية كاملة للانتهاء من ملف المناصب بالوكالة، إذ شكّلت لجنة مهنية لتدقيق أسماء المناصب الخاصة والمديرية العامين".
في وقتنا الحالي، وبالنظر إلى التغطية الإعلامية والكشف عن قضية التجسس على قوات الحشد الشعبي لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فإنه يبدو أن "عادل عبد المهدي"، كان على علم بأن الأمريكيين يتجسّسون على قوات الحشد الشعبي، وهنا يمكن القول بأن الأوامر التي أصدرها "عبد المهدي" والمتعلقة بضمّ قوات الحشد الشعبي للجيش العراقي، جاء من أجل حماية هذه القوات من المؤامرات الأمريكية.
التحرّك تماشياً مع رغبات ومصالح الكيان الصهيوني
على مستوى آخرٍ، إن عمليات التجسّس التي تقوم بها المخابرات المركزية الأمريكية ضد قوات الحشد الشعبي العراقية المتمركزة في المناطق الحدودية للعراق، تأتي تماشياً مع رغبات ومصالح الكيان الصهيوني.
يذكر أن قادة تل أبيب كانوا يطالبون البيت الأبيض على مدار العقود الماضية، بإضعاف دول غرب آسيا، وهذا ما يؤكده الاستفتاء الفاشل لانفصال أكراد العراق عن الحكومة المركزية في عام 2017.
في وقتنا الحالي يبدوا أن أمريكا تبذل الكثير من الجهود لتجنيد الكثير من الجواسيس للقيام بعمليات تجسس ضد قوات الحشد الشعبي لتنفيذ مطامع، واستراتيجيات الكيان الصهيوني في المنطقة.
وفي سياق متصل، أكد العديد من الخبراء والمراقبين السياسيين بأنه في الوضع الحالي تعدّ المناطق القريبة من حدود العراق مع سوريا من أكثر المناطق حساسية للمضي قدماً في إقامة عراق آمن ومستقر في فترة ما بعد القضاء على فلول تنظيم داعش الإرهابي وهنا يمكن القول بأن التجسس الأمريكي على قوات الحشد الشعبي العراقية سوف يخدم مصالح الكيان الصهيوني.
عجز أمريكا عن اختراق قوات الحشد الشعبي
إن قيام أمريكا بالاستعانة بقائد عسكري كبير للقيام بعملية التجسس ضد قوات الحشد الشعبي العراقية، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن واشنطن فشلت ولم تتمكن من السيطرة على الشؤون السياسية، والحكم في العراق، وأن قادة البيت الأبيض يسعون جاهدين إلى خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في بغداد.
لقد ركّزت الحكومة الأمريكية منذ تولّي الرئيس "ترامب" زمام الأمور في البيت الأبيض على منطقها الاقتصادي والأمني في منطقة غرب آسيا، ولهذا فلقد بذلت الكثير من الجهود للسيطرة على العراق، لكن التطوّرات الميدانية كشفت بأن واشنطن لم تتمكن من تحقيق أهدافها في بغداد وأربيل، ولهذا فلقد لجأت إلى سياسة التجسس الحقيرة على قوات المقاومة.