الوقت- أبى والد الشهيد الرضيع علي دوابشة أن يترك ابنه، ليلتحق بركب الشهداء بعد أيام قليلة على إحراق منزله من قبل مستوطنين إسرائيليين وهو وعائلته بداخله، بينما لا تزال زوجته رهام ونجله أحمد (أربع سنوات) يتابعون العلاج من جروحهم البالغة . شهادة علي وسعد لم تحرّك إلا ألسن حكومة رام الله وقادة منظمة التحرير ليتبادر إلى أذهان الشعوب العربية والمسلمة عموماً والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص أسئلة عدّة تبدأ بكيفية تأمين الحماية والإستقرار لشعب الضفّة الغربية، ولا تنتهي بالبحث عن سبل المواجهة بعد سحب السلاح ووجود تنسيق أمني مقدّس جعل مقاومي الضفة بين مطرقة الكيان الإسرائيلي وسندان منظمة التحرير الفلسطينية.
ربّما يعتقد محمود عباس وأعوانه أن السبيل الأنجع لحماية الشعب الفلسطيني هو الإعتراف بالكيان الإسرائيلي وسحب السلاح بإعتبار أنه الذريعة الوحيدة التي يتشدق بها قادة الکيان مع كل مواجهة في الضفة الغربية، وبالتالي يمكن من خلال نزع السلاح وإقامة تنسيق أمني وإقتصادي و.. تعرية قادة تل أبيب وكشف عورتهم أمام المجتمع الدولي، ولكن ألم تقتنع السلطة الفلسطينية بعد أكثر من 10 سنوات على الإنتهاك اليومي للإتفاق وفشل مفاوضات السلام أن السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية هي المقاومة؟ هل مازال يعتقد محمود عباس بعد كل الجرائم التي إرتكبها ويرتكبها الجيش والمستوطنون في الكيان الإسرائيلي أنهم يفقهون لغة غير السلاح؟ ماذا قدّمت السلطة الفلسطينية لشعب الضفة طوال الفترة الماضية على كافّة الصعد أمنياً، إقتصاديا وسياسياً؟ لماذا يقبع أكثر من 1500 مقاوم من حركة حماس في سجون فتح، وعدد يناهزه من الفصائل الفلسطينية الأخرى في حين يستطيع مستوطن إسرائيلي قاتل أن يصول ويجول في أروقة الضفة، وفي أماكن يصعب على عباس نفسه الوصول إليها دون إستحصال إذن مسبق من سلطات تل أبيب.
لم يكن سعد وطفله الرضيع علي إلا نقطة في بحر الجرائم الإسرائيلية التي ترتكب على مدار الساعة بحق القضية والشعب الفلسطيني في ظل سكوت أو إستنكار السلطات الفلسطينية في أحسن الأحوال، فهل ستمضي فتح بعد التغيّر الإيجابي في المناخ الدولي بسياسة المهادنة؟ هل بات مفروضاً على عقولنا أن تبحث عن منقذ من خارج الحدود أو من وراء البحار لكبح جموح آلة القتل الإسرائيلية؟ ما هو السبيل الأفضل الذي يعبر بفلسطين إلى شطآن النصر والأمان بعد سنوات من الإنكسار والخضوع؟
بين المقاومة والمفاوضات
أثبتت الجرائم الإسرائيلية بأن الأوان قاد حان لبدء أهالي الضفة في مواجهة مفتوحة وشاملة مع الکيان الإسرائيلي دون انتظار قرار من أحد، أو أخذ إذن من أي جهة كانت، لأن المستوطنين القتلة لا يردعهم إلا المبادرة بالهجوم عليهم، وردعهم وليس انتظارهم حتى يصلوا إلى القرى والمدن، بإختصار إن المقاومة في الضفة صارت واجباً وسبيلا للدفاع عن النفس.
لم يكن بإستطاعة أبناء الجنوب اللبناني تحرير أرضهم والعيش بعزّة وکرامة لولا إعتمادهم على مقولة شيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب "الموقف سلاح والمصافحة إعتراف"، كما أن أبناء غزّة، ورغم الحصار والأبنية المدمّرة، يعيشون حالياً بأمان يحلم أبناء الضفة في الوصول إليه ما خلا الهجمات الجوية التي تنفذها الطائرات الإسرائيلية، فضلاً عن كونهم الرمز الأول للقضية الفلسطينية وكذلك الرهان الأساسي على تحرير القدس من أيادي الإسرائيليين.
قد يرى عباس أن المقاومة خيار "غير صائب" حالياً، إلا أنه من المفترض عليه أن يقدم البديل المناسب الذي يضمن حماية شعب الضفّة من براثن الجيش والمستوطنين، ويعيد القدس لأبنائها الذين بات محتماً عليهم أن يعانوا الأمرين إذاما فكّروا في زيارة قبلتهم الأولى، ناهيك عن المواجهات التي تشهدها ساحات الأقصى عند كل محاولة إقتحام من قبل المستوطنين المؤزرين بجيش الکيان الإسرائيلي.
لم تترك جرائم الکيان أي فتحة هروب لعباس وكافّة دعاة المفاوضات ومواجهة المقاومة بدل الإحتلال، لذلك يتعيّن على رئيس السلطة الفلسطينية إتخاذ موقف إستراتيجي يعيد القضية الفلسطينية في الضفّة الغربية إلى جادة الصواب. موقف عباس الإستراتيجي هو تعبير عن واحد من اثنين، إما إعتماد خيار المقاومة والعمل على تسليح الضفّة الغربية خاصةً أن أرضية المقاومة والمواجهة خصبة لدى الفلسطينيين هناك، أو تقديم إستقالته إذا لم يقوَ على تحمّل تبعات المقاومة فتحاً للمجال أمام بديل آخر يسلك نهجاً مغايراً للواقع القائم الذي أثبت فشله وبإمتياز.
بصرف النظر عن الموقف الحقيقي الذي يتبناه عباس حالياً، من المفترض لقيادات المقاومة في فتح أن يسيروا على نهج أسلافهم أمثال فتحي الشقاقي ويحيى عياش وأحمد ياسين وأحمد الجعبري، ليرتسم من جديد مشهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي لم يتنازل عن المقاومة رغم المفاوضات. قد يكون من الصعب على رئيس السلطة الفلسطينية ترك المفاوضات واللجوء إلا السلاح فقط، رغم إعتقادنا أن لغة السلاح هي اللغة الوحيدة التي يفقهها قادة الکيان الإسرائيلي، ولكن ما الضير في أن يعتمد على نهج جديد يجمع بين المقاومة والمفاوضات تحت عنوان: عصا المقاومة وجزرة المفاوضات.