الوقت- وجدت قيادة التحالف الذي تقوده أمريكا أن "محافظة الرقة السورية" تعتبر صيداً ثميناً لاغتنام الفرصة، وتثبيت أقدامها في الشرق الأوسط تحت ذريعة "محاربة الإرهاب"، هذا المصطلح الذي أصبح "مطاطاً"، وتستخدمه دول العالم ولاسيما الكبرى منها إما للتخلص من المعارضة داخل البلد أو لاحتلال وغزو دولة أخرى، وهذا ما تفعله واشنطن منذ مطلع القرن الحادي والعشرين وحتى اللحظة، ولكن أن تدمّر مدناً بأكملها، وتقتل شعب هذه المدينة بدم بارد، فهذا أمر خطير يستدعي تضافر جهود المجتمع الدولي لإيقاف هذه "الفوضى" العمياء التي تقودها واشنطن في المنطقة.
الرقة
تحوّلت الرقة إلى مدينة أشباح منذ أن سيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث مارس هذا التنظيم أشد أنواع العنف، وشرّد، وقتل الآلاف ممن عارضوه، أو وقفوا في وجه مخططاته.
واشنطن التي تدّعي أمام العالم أجمع بأنها جاءت إلى سوريا لتحريرها من براثن الإرهاب، وإعادة الأرض إلى أصحابها والدفاع عن المدنيين لم يكن حالها أفضل من تنظيم "داعش" الإرهابي، بل كانت أشد فتكاً منه، إذ تخبرنا الأرقام والحقائق على الأرض أن التحالف الدولي دمّر المدينة نتيجة للضربات الجوية العشوائية، والقصف المدفعي العشوائي الذي دمّر الحجر والبشر وسوّى المدينة على الأرض، وبحسب تقرير نشرته منظمة العفو الدولية الخميس، تسبّب القصف الجوي والمدفعي للتحالف الدولي بقيادة واشنطن على مدينة الرقة في شمال سوريا خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من الهجوم عليها عام 2017، بمقتل أكثر من 1600 مدني ما بين حزيران وتشرين الأول من العام نفسه، بمن فيهم 276 طفلاً و203 نساء، ولقي 161 آخرون (بينهم 37 طفلاً و10 نساء) مصرعهم جرّاء انفجار ألغام أثناء محاولتهم الفرار من المدينة، إضافة إلى مئات المصابين بجروح متفاوتة الخطورة، لا يزال العديد منهم في حالة خطرة.
وذكر نشطاء من "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن المدينة التي كان تعداد سكانها 300-350 ألف مدني أصبحت خالية من معظم سكانها، نتيجة تشريد وقتل مئات الآلاف منهم ووجود آخرين في عداد المفقودين ولا تزال جثث بعضهم مدفونة تحت أنقاض المباني المدمرة.
كيف حوّلت "أكثر الحملات الجوية دقة في التاريخ" الرقة إلى أكثر المدن دماراً في التاريخ الحديث
تناول التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية والذي أعدّته بالتعاون مع منظمة "أيروورز" طبيعة المعارك في الرقة وكيف أنكر التحالف قتل كل هذا العدد من المدنيين حتى دون أن يحاسب عمّا فعل أو حتى يجري الحديث عن هذا الموضوع، وقال التقرير إنه يجب على التحالف أن يتوقف عن الإنكار الذي استمر ما يقرب من السنتين بشأن أعداد القتلى الهائلة في صفوف المدنيين، والدمار الكبير الذي ألحقه بمدينة الرقة السورية.
وتحدث التقرير عن دقة الصواريخ الأمريكية في إصابة أهدافها بنوع من السخرية، وذكر اسم موقع تفاعلي جديد سيطلق منه نسخة باللغة العربي تحت عنوان (لغة الخطاب تفنّدها الوقائع: كيف حوّلت "أكثر الحملات الجوية دقة في التاريخ" الرقة إلى أكثر المدن دماراً في التاريخ الحديث ( وهو حصيلة أكثر التحقيقات شمولاً وعمقاً في مقتل المدنيين إبان الحروب الحديثة.
ويتضمن الموقع أعمال بحث استغرقت سنتين، ويسرد الرواية الصادمة لمقتل ما يزيد على 1,600 مدني قتلوا بشكل مباشر جراء آلاف الضربات الجوية، التي شنتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وعشرات الآلاف من عمليات القصف المدفعي التي شنتها قوات أمريكا، في سياق الحملة العسكرية للتحالف ضد الرقة ما بين حزيران وتشرين الأول 2017.
التقرير يقول إن العديد من عمليات القصف افتقرت إلى الدقة، بينما اتسمت عشرات الآلاف من عمليات القصف المدفعي بالعشوائية، ولذا فليس من المستغرب أنها قتلت وأصابت المئات من المدنيين.
وفي هذا السياق، قالت دوناتيلا روفيرا، كبيرة المستشارين في برنامج مواجهة الأزمات في منظمة العفو الدولية: إن "آلاف المدنيين قتلوا أو جرحوا في هجوم تحالف أمريكا لتخليص الرقة من قبضة تنظيم الدولة الذي حوّل قناصوه وألغامه، المدينة إلى مصيدة للموت، إذ افتقرت العديد من عمليات القصف إلى الدقة، بينما اتسمت عشرات الآلاف من عمليات القصف المدفعي بالعشوائية، ولذا فليس من المستغرب أنها قتلت وأصابت المئات من المدنيين.
إن قوات التحالف قد دمّرت الرقة كلياً، ولكنها لا تستطيع محو الحقيقة، كما أن منظمة العفو الدولية و"إيروورز" تطالبان قوات التحالف بالتوقف عن إنكار الحقيقة الصادمة حول قتل المدنيين والتدمير الذي تسبب به هجومها على الرقة.
وأكد كريس وودز، مدير "إيروورز" أنه "ينبغي على التحالف مباشرة تحقيق وافٍ في الأخطاء التي وقعت في الرقة، والتعلم من هذه الدروس، للحيلولة دون التسبب مرة أخرى بمثل هذا الحجم من المعاناة الهائلة للمدنيين الذين تحاصرهم العمليات العسكرية في المستقبل".
وعلى الرغم من تفاخر أحد المسؤولين العسكريين لقوات أمريكا بأنه قد تم إطلاق 30,000 قذيفة مدفع إبان الحملة- أي ما يعادل قذيفة كل ست دقائق على مدار أربعة أشهر متتالية - إلا أنه يجب تذكيره بأن هذا العدد يفوق أعداد قذائف المدفعية التي استخدمت في أي نزاع مسلح آخر منذ حرب فيتنام.
ونظراً لأن هامش الخطأ في مثل هذا القصف يتجاوز 100 متر، فإن قذائف المدفعية غير الموجّهة هذه تفتقر إلى الدقة بصورة مشينة، بينما يشكّل استخدامها في المناطق المأهولة هجمات عشوائية، حيث إن حي الدرعية، المرتفع قليلاً وأحد الأحياء الأشد فقراً في غرب الرقة، كان أحد الأحياء التي استهدفت منذ بداية القصف.