الوقت-هي السياسة الأمريكية الفتنوية المعتادة، فلا تكلّ ولا تمّل الإدارات الأمريكية المتعاقبة من فرض الإملاءات مرّة أخرى على دول المنطقة، وخاصة على الدول التي تعتبر جزءاً كبيراً مهمّاً من محور المقاومة بهدف تحقيق مصالحها ومصالح حليفتها الأبرز في المنطقة وهي "إسرائيل". هذه المرة لبنان يعود إلى الواجهة الأمريكية من جديد، على الرغم من أنه لم يغب عنها أصلاً منذ التحرير الذي أنجزه لبنان عام 2000 ضد الاحتلال الإسرائيلي. هذا التاريخ جعل أمريكا تغيّر من استراتيجيتها في المنطقة، فترسل الوفد تلو الآخر بهدف الضغط على الحكومات اللبنانية من أجل تحقيق هدفها الأول والأخير وهو حماية الكيان الإسرائيلي من خطر حزب الله. إلا أن كل هذه الوفود عادت خائبة بحقيبة فارغة، ومن بين هذه الوفود، كان وفد يوم أمس، وفد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي عاد بلا أي شك بحقيبة مكائد فارغة كما عاد الذين سبقوهم من مادلين أولبرايت وكونداليزا رايس اللتين كانتا الأبرز لناحية جرّ أذيال الخيبة الى حدِّ المَهانة خلال خوض لبنان معارك الكرامة.
جاء بومبيو يوم أمس بمعادلة واضحة دون أي مواربة، وهي تخلّوا عن حزب الله وإلا فلبنان سيكون في خطر!، تهديدات ردّ عليها اللبنانيون قيادة وشعباً وبكل الأطياف بالوحدة والوقوف خلف المقاومة التي حمت العرض وصانت الكرامة وحررت الأرض من الغدر الإسرائيلي والإرهابي. فرئيس الجمهورية اللبناني كان رأس الحربة الأول والذي قالها بصراحة لرئيس الوفد الأمريكي: لنا الحق في الدفاع عن أرضنا وحزب الله مقاومة لبنانية ومنبثق من قاعدة شعبية تمثل واحدة من الطوائف الرئيسية في لبنان، ليؤكد على كلام الرئيس، رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الذي قال: "حزب الله هو حزب سياسي لبناني له شعبية كبيرة ووجود في الحكومة والمجلس، وإذا كنتم تريدون لهذا البلد أن يكون مرتاحاً فاضغطوا على "إسرائيل" كي تلتزم بقرار الـ 1701 وتنسحب من الأراضي اللبنانية".
بدوره، دافع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل وبكل قوة عن حزب الله مؤكداً أنه حزب لبناني غير إرهابي ونوابه منتخبون من الشعب اللبناني وبتأييد شعبي كبير، وتصنيفه بالإرهاب يعود إلى الدولة التي تصنّفه، ولا يعني لبنان. وبالرغم من أن موقف الحريري كان أقل قوة من سابقيه إلا أنه أيضاً شرح الوضع اللبناني وتركيبة النظام السياسي اللبناني وأنه لا يمكن تشكيل أي حكومة من دون حزب الله.
هذه المواقف جعلت من زيارة بومبيو إلى لبنان هامشية أكثر من المتوقع، وما زاد من هامشيتها هو إعلان المديرية العامة لرئاسة الجمهورية اللبنانية أن" الرئيس عون يقوم بزيارة رسمية إلى جمهورية روسيا الاتحادية، تلبية لدعوة من الرئيس بوتين وذلك يومي 25 و26 آذار الحالي". وذلك من أجل إجراء مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول موضوعات مختلفة أهمها عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد عودة الاستقرار إلى أغلب المناطق في سوريا. كما أن سفر الرئيس يعني وبشكل غير مباشر أن لبنان لا يمكن أن يخضع للإملاءات الأمريكية خاصة في ملف النازحين السوريين الذين باتوا يشكلون عبئاً اقتصادياً كبيراً على لبنان وأن الموقف الأمريكي الذي عبّر عنه بومبيو خلال زيارته إلى لبنان بربط عودتهم بالظروف المناسبة وبالحل السياسي، بمعنى آخر، قال للبنانيين إن النازحين لن يعودوا! وهذه الإملاءات قد تسري على بعض الدول الخليجية ذات "العروش المُهتزَّة" التي تتسوَّل تحت الغطاء الأمريكي، لكنها لا تسري على لبنان ولا على أي دولة من محور المقاومة، لأن الجماهير الشعبية تختلف إيديولوجياً عن تلك الخاضعة لسيف الطاعة.
قد تكون من المرّات القليلة التي يتوحّد فيها رؤوس السلطة في لبنان، إذْ لا شكّ أننا في زوايا هذا البلد سنجد من يتلقّى الأوامر الأمريكيّة ويسعى لتطبيقها. هذه المرّة كان الموقف اللبناني حاسماً، والثبات على الموقف يؤدّي إلى الغاية المطلوبة، وخاصة من قبل رئاسة الجمهورية ومن قبل الرئيس اللبناني ميشال عون الذي حاولت أمريكا خلال السنتين الماضيتين منع وصوله إلى كرسي الرئاسة أو عبر تعطيل تشكيل الحكومة من أجل ضرب عهده ومنع حصول حزب الله على وزارة أساسية، ليعود بومبيو بالتلويح بعقوبات لا خيار للبنان سوى مواجهتها بكل الوسائل.
خلاصة القول، إن زيارة بومبيو إلى لبنان لا جديد فيها ويمكننا القول إنه غادر إلى بلاده وحقيبته فارغة، ففي موضوع حزب الله، خرج خالي الوفاض، وفي موضوع النازحين لم يحقق شيئاً بل على العكس فإن زيارة بومبيو إلى لبنان زادت من وحدة اللبنانيين والتفافهم حول المقاومة التي قدّمت الكثير لجميع اللبنانيين. وهنا يجب رفع القبعة عالياً احتراماً للرئيس اللبناني عون، ووزير خارجيّته جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري لأنّهم لم يرضخوا مُطلقًا لضُغوط وزير الخارجيّة الأمريكيّ، والتفوا جميعاً حول حزب الله كحركة مُقاومة يُشكّل وجودها أحد الأعمدة الأساسيّة لأمن لبنان واستقراره، والدّفاع عن مصالحه، ورفضوا رسالة التّحريض الأمريكيّة رفضاً قاطِعاً.