الوقت- بعد يوم واحد فقط من المحادثات السرية بين أمريكا وروسيا والسعودية بشأن الأزمة السورية في الدوحة عقد وزير الخارجية السوري وليد المعلم لقاءات مع المسؤولين الايرانيين ونائب وزير الخارجية الروسي (ميخائيل بوغدانوف) في طهران تركزت حول سبل حل هذه الأزمة.
وكان مساعد وزير الخارجية الإيراني (حسين أمير عبد اللهيان) قد أعلن في وقت سابق أن المبادرة الإيرانية المعدّلة لحل الأزمة السورية سياسياً ستكون على طاولة المباحثات مع موسكو ودمشق. وتتضمن المبادرة أربعة بنود وهي الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإعادة تعديل الدستور السوري بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية في سوريا وإجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين .
وجرى تقديم المبادرة الإيرانية والتشاور بشأنها مع تركيا وقطر ومصر ودول أخرى أعضاء في الأمم المتحدة في محاولة جديدة تستثمر الدفع الإقليمي والدولي الناجم عن اجماع متمثل بخطر تنظيم (داعش) والمجموعات الإرهابية التكفيرية الأخرى .
وخلافاً لتكهنات البعض بشأن طبيعة المبادرة الإيرانية المعدّلة والتوقعات بشأن تغيير في الموقفين الروسي والإيراني ازاء الصراع في سوريا جددت موسكو وطهران تمسكهما بدعم السلطات السورية في محاربة الإرهاب وضرورة تشكيل جبهة واسعة مناهضة للإرهاب لصد التهديد المتنامي من طرف تنظيم (داعش) في وقت أكد فيه وزير الخارجية السوري على ضرورة موافقة دمشق على أي مبادرة لحل الأزمة السورية .
وفي وقت سابق ذكرت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن بوغدانوف اطلع المسؤولين الإيرانيين على نتائج اللقاء الثلاثي في الدوحة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيريه الأمريكي جون كيري والسعودي عادل الجبير، مشيرة إلى أن موضوع مكافحة الإرهاب كان أحد أهم الموضوعات التي ناقشها الوزراء الثلاثة .
ورداً على سؤال حول تصريحات الرئيس التركي (رجب طيب اردوغان) حول تغيير مواقف موسكو إزاء سوريا قال بوغدانوف "إن موقف روسيا ليس شيئاً قابلاً للتغير مع تغير الظروف ونحن متمسكون بالاتفاقيات والبيانات بما فيها بيان جنيف، ونرى ضرورة أن تجلس الحكومة السورية والمعارضة حول طاولة المفاوضات لتقرير مستقبل البلاد بما يحفظ مصالح جميع الفصائل والقوميات".
وما يثير الاهتمام في اجتماع الدوحة هو أنه ضم أمريكا وروسيا وقطر والسعودية. فمشاركة روسيا الحليف الاستراتيجي لسوريا في هذا الاجتماع تكشف عن تبلور تفاهم مبدئي لحلحلة الأزمة السورية، من شأنه أن يمهد الأرضية لاجتماع موسكو المرتقب الذي ستشارك فيه المعارضة السورية وممثلين عن الحكومة السورية بالاضافة إلى روسيا والسعودية .
ويؤكد دخول الرياض على الخط بعد زيارة محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي إلى موسكو ولقائه الرئيس الروسي بوتين، وجود نوايا جادة لدى روسيا لايجاد تفاهم شامل مع السعودية لانهاء الأزمة السورية.
وتأتي هذه التحركات السياسية بعد سلسلة من التطورات الميدانية شهدتها الأزمة السورية خلال الاسابيع الماضية بينها سعي أمريكا وتركيا لايجاد منطقة عازلة في شمال سوريا واستمرار الطائرات الأمريكية بقصف مواقع تنظيم (داعش) في هذه المنطقة، وقيام تركيا بمهاجمة مواقع هذا التنظيم واعتقال المئات من عناصره رداً على هجماته التي استهدفت مواطنين وعسكريين اتراك وأدت إلى مقتل عدد منهم كما حصل مؤخراً في مدينة (سوروج) جنوب شرق تركيا.
وبعيداً عن المساعي السياسية قال مسؤول أمريكي مشترطاً عدم ذكر اسمه إن بلاده تعتقد أن خمسة من مسلحي المعارضة السورية الذين تلقوا تدريباً على يد الجيش الأمريكي تم أسرهم خلال الأيام الأخيرة من قبل مسلحي (جبهة النصرة) في شمال سوريا . ويأتي ذلك بعد أقل من أسبوع على خطف ثمانية مسلحين من نفس المجموعة، وبعد يومين من قصف جوي أمريكي لـمواقع (جبهة النصرة) . وإذا تأكد هذا الأمر فإن أسر وخطف هؤلاء المسلحين سيمثل ضربة جديدة لبرنامج محاربة (داعش) الذي ينطوي على نشر مسلحين داخل سوريا ودعمهم بغارات جوية يشنها ما يسمى "التحالف الدولي" الذي تقوده أمريكا.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" أكدت أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سمح للبنتاغون باستخدام القوة الجوية لحماية المسلحين المدعومين أمريكياً في سوريا إذا تعرضوا لهجوم . ومما لاشك فيه أن تقدم القوات السورية وقوات حزب الله على جبهات كثيرة ودحرها للعصابات الإرهابية قد أربك المعسكر الغربي، ما دفع بالرئيس الأمريكي لتدارك الموقف باصدار مثل هذه الأوامر.
وشكل تنامي قوة جبهة المقاومة في المنطقة، قلقاً مضاعفاً لأمريكا، ونظراً لأن نهاية عصابات (داعش) في سوريا والعراق ستسحب جميع الاوراق والذرائع من أمريكا، التي تخطط للبقاء في المنطقة لفترة طويلة، لذا فإن الأوامر التي أصدرها الرئيس الأمريكي لدعم العصابات الإرهابية تعتبر بمثابة اعلان حرب مفتوحة لإسقاط الدولة السورية.
وتجدر الاشارة إلى أن القرار الأمريكي واجه رفضاً واسعاً من قبل الاوساط الاقليمية والدولية التي أكدت ان هذا اللون من السلوك الأمريكي من شأنه أن يقوض الجهود الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
في هذه الأثناء وصف مراقبون المسلحين الذين دربتهم أمريكا والذين هددت واشنطن بضرب الجيش السوري في حال تعرضه لهم ليسوا سوى الوجه الاخر للإرهاب الذي تعاني منه سوريا منذ بداية الأزمة قبل أكثر من اربع سنوات.
ويعتقد هؤلاء المراقبون ان اصرار أمريكا على الدفاع عن اولئك المدربين على أيديها يؤكد كذبة محاربة (داعش) الذي شكلت واشنطن من أجله تحالفاً دولياً يؤدي عروضاً مسرحية وافلاماً هوليودية على الاراضي السورية والعراقية .
وتجدر الاشارة ايضاً إلى أن تركيا التي حوّلت حدودها إلى معبر للمسلحين منذ بدء الأزمة السورية، تتحرك اليوم بالإتفاق مع أمريكا لإقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية، وتريد أنقرة بحسب مصادر عسكرية ان تكون هذه المنطقة ممنوعة على الأكراد و(جبهة النصرة). وثمة عوامل عديدة ساهمت في الحديث مجدداً عن هذه المنطقة التي طالما لوّحت تركيا بإقامتها، تتمثّل أبرزها بشعور انقرة بضغط شديد نتيجة تحركات (داعش) الأخيرة.
وبحسب المعطيات المتوفرة فإن المساعي الدولية الجارية حالياً تهدف في الأساس إلى ضمان تفاهمات مع السعودية ومن خلفها تركيا ودول أخرى كالاردن وقطر لتجميد برامج دعمها للجماعات الارهابية والتكفيرية في سوريا وعدم الفصل بين مسلحي (داعش) و(النصرة) باعتبارهما خطراً واحداً وترك الباب مفتوحاً أمام خيارات أخرى تتعلق بالمجموعات التي توصف بــ"المعتدلة" وهو أمر ستظهر نتائجه بشكل رئيسي على ما يسمى (غرفة الموك) الخاصة بالعمليات العسكرية التي تخضع لاشراف مباشر من قبل أمريكا والسعودية.
وتشير هذه المعطيات كذلك إلى أن الجانبين الروسي والأمريكي لا يمانعان في وضع خطة أولية تتيح لمبعوث الامم المتحدة (ستيفان دي ميستورا) إعداد مشروع لوقف القتال في سوريا وإطلاق الحوار بين الحكومة والمعارضة وتقديمه إلى مجلس الأمن الدولي في تقريره المرتقب نهاية هذا الشهر، علماً بأن ميستورا نفسه لا يزال يعتقد بأن هذه الحوارات على أهميتها لن تظهر لها أي نتائج في المستقبل القريب.