الوقت- إن وجود القوات الأمريكية في العراق على النقيض من تصوّرات مسؤولي البيت الأبيض ولا سيما دونالد ترامب يقترب من نهايته خلال وقت قصير، وهذا يعني أنه الآن وأكثر من أي وقت مضى، تتحد التيارات السياسية العراقية وتتفق فيما بينها على ضرورة طرد الجيش الأمريكي من البلاد.
على الرغم من أن أغلبية القوى السياسية العراقية على مدى السنوات الماضية كانت معارضة لوجود الجيش الأمريكي في البلاد ، إلا أن الحقيقة هي أنه بعد تصريح دونالد ترامب في 3 فبراير 2019 ( نريد إبقاء قواتنا في العراق لـ "مراقبة إيران)"، أصبح هناك إجماع من قبل جميع القوى العراقية على إخراج القوات الأمريكية من العراق وإنهاء وجودها في البلاد.
وضمن الوضع الجديد، اتفقت أكبر كتلتين في البرلمان العراقي واللتين تشكلان الأكثرية البرلمانية على إخراج القوات الأجنبية، وخصوصاً الأمريكية من الأراضي العراقية إضافة إلى إلغاء الاتفاقية الأمنية العراقية ـ الأمريكية، المعروفة باسم (صوفا)، وأيضاً إلغاء القسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي المبرمة بين بغداد وواشنطن.
توصل تحالف فتح برئاسة هادي العامري وتحالف سائرون بقيادة مقتدى الصدر في اجتماع مشترك في 11 فبراير 2019 ، عُقد للبحث في قضايا العراق الحالية للاتفاق على ضرورة طرد القوات الأجنبية من البلاد.
ومن خلال إلقاء نظرة عامة على ردود الأفعال بين الكتل السياسية العراقية نجد أن هناك إجماعاً من قبل هذين التحالفين اللذين يشكلان أكثرية برلمانية مطلقة بالإضافة إلى بقية الأحزاب والكتل السياسية على إخراج القوات الأجنبية من العراق، وستتم الموافقة على هذا القرار في حال تم عرضه على مجلس النواب العراقي، خاصة وأن جميع الكتل السياسية رافضة للوجود الأمريكي غير الشرعي وعازمة على إقرار قانون إخراج القوات الأجنبية من البلاد وعدم انتهاك السيادة العراقية، فضلاً عن أن مجلس النواب حصل على تأييد المرجعية الدينية ورئاستي الوزراء والجمهورية على إقرار قانون إخراج القوات الأمريكية.
في حال التصويت على هذا القرار والبت فيه سيكون بمثابة لحظة تاريخية مهمة وفاصلة في التاريخ العراقي، لكونه يعني الاستقلال الكامل للعراق من جديد منذ عام 2003.
حسابات ترامب تُخطئ مرة أخرى في مواجهة إيران واستخدام صيغة "أمر" مع العراق
تصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتعاطيه مع العراق والعراقيين بنوع من العنجهية المفرطة فضلاً عن خطاباته المستفزة دفعت العراقيين أكثر من أي وقت مضى للمطالبة بإخراج القوات الأمريكية من أراضيهم.
تحدث دونالد ترامب، منذ بداية ولايته، مراراً وتكراراً عن هدر أكثر من 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط بعد عام 2003، وهو ما لم يكن له أي نتيجة لواشنطن، أيضاً، تحدث ترامب إلى العراقيين بصيغة "أمر" في أكثر من خطاب وعمد إلى تقويض الاستقلال السياسي للبلاد وقلّل من أهميته.
في نهاية المطاف، ومن خلال تصريحات ترامب المعادية لإيران والمستفزة للشعب العراقي في آن واحد، كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين بغداد وواشنطن، خاصة وأن ترامب بدأ يقترب من المحظور عن معرفة أو عدم معرفة وكلاهما يسيء للشعبين العراقي والإيراني، على ما يبدو أن ترامب لا يستطيع أن يفهم أن هناك علاقة غير قابلة للانفصال بين المجتمعين العراقي والإيراني من حيث الثقافة والهوية.
ونتيجة للإعلان عن إبقاء الجيش الأمريكي في العراق لمراقبة إيران، فمن المرجّح أن يؤدي ذلك إلى تهيئة الظروف لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
قذف الكرة إلى ملعب عادل عبد المهدي
في حال إقرار القانون المتعلق بطرد القوات الأجنبية في البرلمان العراقي، فإنها ستكون مسؤولية صعبة للغاية على رئيس الوزراء العراقي "عادل عبد المهدي"، بصفته الزعيم السياسي الذي تحدّث مراراً عن بقاء القوات الأمريكية في العراق لفترة محدودة، هو المسؤول حالياَ عن المطالبة بطرد جميع القوات العسكرية الأجنبية، لاسيما الأمريكية من الأراضي العراقية.
إجمالاً، يبدو الآن أنه في المدى القصير، ستقذف الكرة إلى أرض عادل عبد المهدي، وسيتعين عليه أيضاً اتخاذ قرار تاريخي بإقالة القوات الأمريكية.
صعوبات الإقدام على إخراج الجيش الأمريكي من العراق
على الرغم من حقيقة أن الشعب العراقي يعارض استمرار الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، فإن طرد الجيش الأمريكي يواجه بعض المشكلات، والحقيقة هي أن الأمريكيين لديهم في الوقت الحالي 10 قواعد عسكرية في العراق، ويخططون أيضاً لبناء عدة قواعد جديدة.
في الواقع، تمتلك أمريكا الآن قواعد عسكرية منها النصر أو فكتوريا داخل مطار بغداد الدولي، قاعدة بلد الجوية، 64 كلم شمال بغداد، التاجي، 25 كيلومتر شمال بغداد، قاعدة الحبانية أو التقدم بين الفلوجة والرمادي، القاعدة العسكرية في اربيل، قاعدة القيارة الجوية والتي تقع في محافظة نينوى، كركوك أو رينج، قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار ... وهذا الأمر يجعلها أكبر قوة عسكرية أجنبية في العراق.
إن الوجود الأمريكي القوي في العراق عبر القواعد والجنود قد قلّص إلى حدّ كبير الطريق وإمكانية مغادرة القوات الأمريكية. أصبح الأمر أكثر تعقيداً عندما يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل صريح أنه يريد البقاء وتقوية الجيش الأمريكي في العراق.
وينطبق الشيء نفسه على تطبيق القانون لطرد القوات العسكرية الأجنبية من العراق، لكن ما يبدو مؤكداً هو أنه في المستقبل القريب سيكون على واشنطن أيضاً قبول السيادة الوطنية للعراق، ولا يوجد حل أمامها سوى الخروج من البلاد.