الوقت- مرّ أسبوعان فقط على الذكرى الثامنة للثورة المصرية ضد حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك والتي بدأت في 25 يناير عام 2011، ضحّى خلالها الشعب المصري بكل ما يملك لكي يحظى بشيء من الحرية والديمقراطية وينهي الحكم الديكتاتوري، ليصل بعدها محمد مرسي إلى الحكم قادماً من حزب "الإخوان المسلمين" الذي يتمتع بشعبية لا بأس بها في الشارع المصري لكن كان هناك كتلتان لا ترغبان في بقاء هذا الحزب في السلطة منها المؤسسة العسكرية والأحزاب اليسارية المعارضة، وهذا ما دفع الكتلتان الأخيرتان للتحالف فيما بينهما للإطاحة بحكم "الإخوان"، وهذا ما ساعد على وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم بعد أن قاد انقلاباً عسكرياً ضد مرسي.
السيسي قال، في مقابلة متلفزة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، إنه لا ينوي تعديل الدستور، وسيرفض مدة رئاسية ثالثة، ولكن ما يجري اليوم يؤكد أن السيسي يقود "ترميدورين" كبير غايته البقاء في الحكم لأطول فترة رئاسية ممكنة، حيث انطلق سباق تعديل الدستور في مصر، قبل أيام، مستهدفاً بشكل رئيسي تغيير شكل نظام الحكم، بما يدعم بقاء عبد الفتاح السيسي في الرئاسة بعد عام 2022، وتعميق دور مؤسسات الدولة، ولاسيما الجيش.
ومن أبرز مقترحات تعديلات الدستور، تعديل مدة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلاً من 4، ووضع أحكام انتقالية بخصوص الرئيس الحالي تتيح له البقاء في الحكم حتى 2034، عبر الترشّح مجدداً لولاية ثالثة ورابعة.
كما تنص إحدى المواد على إعادة صياغة وتعميق دور الجيش، وجعل تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى، وإلغاء الهيئة الوطنية لكل من الإعلام والصحافة.
وتنص المادة 26 من الدستور الحالي على أنه إذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عُرض على الشعب، للاستفتاء عليه، ويكون التعديل نافذاً من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء، وأعلن مجلس النواب، الثلاثاء الماضي، أن أغلبية الأعضاء (لم يحدد عددهم) وافقوا على مناقشة مقترحات تعديل الدستور، وتقدم بتلك المقترحات قبل أيام ائتلاف "دعم مصر"، صاحب الأغلبية البرلمانية (317 نائباً من أصل 596).
رسائل تعديل الدستور
أولاً: يرى عبد الفتاح السيسي أن هذه المرحلة هي أفضل فترة لتثبيت حكمه والبقاء في السلطة أطول مدة ممكنة، خاصة وأن الغرب يرغب ببقائه في السلطة، طالما أنه يتماشى مع رغباتهم ولا يزعج "إسرائيل" التي اعترف السيسي بالتعاون معها في العمليات العسكرية التي قادها الجيش المصري في سيناء.
السيسي يعلم بأن البعض سيعارضه لكنه يعوّل على القبضة العسكرية التي تعتبر ورقة قوة بيده، والأمر الآخر أن السيسي يدرك مدى أهمية المؤسسة العسكرية بالنسبة للشعب المصري لذلك ربط تعديل مدة الرئاسة بإعطاء صلاحيات أوسع للجيش، علماً أن الجيش متواجد بالفعل بقوة منذ سنوات، بفضل الممارسة الفعلية، وما يتم الآن هو فقط ذكره في الدستور.
ثانياً: هناك معارضة للتعديلات الجديدة للدستور وتثير مقترحات التعديل حملات إلكترونية بين الرفض والتأييد، مع ظهور لافت لنائب الرئيس المصري السابق، محمد البرادعي، المقيم خارج مصر، عبر "تويتر"، داعياً إلى توحيد المعارضة، وبحث المشاركة أو مقاطعة الاستفتاء الشعبي، الذي يتلو موافقة النواب على المقترحات.
وتضم الشخصيات الرافضة للتعديلات الدستورية محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية السابق، وحمدين صباحي، المرشح السابق في الانتخابات الرئاسية، والأديب علاء الأسواني، ومحمد محسوب وزير الشؤون القانونية والبرلمانية السابق، و"خالد علي" المرشح الرئاسي السابق، والمفكر السياسي حسن نافعة، وعدد من الشخصيات الأخرى.
وبالرغم من تواجد هذه الأسماء القوية في صفوف المعارضة إلا أنها بطبيعة الحال لا تملك نفوذاً قوياً وتأثيرها محدود، خاصة وأن السيسي يعلم جيداً بأن المعارضة ولاسيما الأحزاب السياسية لن تتحالف مع "الإخوان المسلمين" للإطاحة بالسيسي كما تعاونت مع السيسي للإطاحة بالإخوان.
ثالثاً: المؤسسات الحكومية جميعها بيد السيسي ويستطيع تحريكها للتصويت بنعم لتعديل الدستور وكذلك هو الحال بالنسبة للأقباط، فقد كشف مصدر قبطي لموقع "عربي21" أن "الكنيسة الأرثوذوكسية بقيادة تواضروس الثاني سوف تقدّم كل ما في وسعها من أجل حشد الأقباط للنزول، والتصويت بـ"نعم" للتعديلات الدستورية"، مؤكداً أن موقف الكنيسة "مؤيد تماماً لمسألة التعديلات، وستكون بمثابة ظهير شعبي (للرئيس) لإقرار التعديلات".
من جهته؛ قال السياسي المصري، محمد سعد خيرالله: "إن نظام السيسي سيعتمد في الأساس على الكتلة الرئيسية في جهاز الدولة الإداري للذهاب للتصويت حيث إن هناك نحو 7 ملايين موظف، وكذلك دفع رجال الأعمال لتوجيه عمالهم وموظفيهم للنزول للتصويت؛ وبالتالي فإن (اللقطة) والصورة حاضرة وموجودة أمام اللجان من أغانٍ ورقص، ورأيناها أكثر من مرة".
بالمختصر؛ المرحلة القادمة على مصر ستكون محفوفة بالمخاطر في حال خرجت عن إطار الديمقراطية وقد يتكرر مشهد مبارك من جديد في حال شعر الشعب المصري بأنه مغبون، لذلك لا بدّ من فتح قنوات للحوار السياسي تتمتع بالشفافية المطلوبة، حتى يصل الشعب إلى قناعة تامة ويختار ما يريده لا ما يفرض عليه.