الوقت- منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في مصر لا تزال البلاد تشهد فجوةً أمنية في سيناء، حيث تتواجد مجموعات مسلحة تستهدف القوات المصرية الحكومية بين الحين والآخر، ورغم عمليات الجيش المصري المتكررة في المنطقة إلا أن الأوضاع لم تتحسن، ولازالت المجموعات المسلحة تنفذ عمليات ضد القوات الحكومية والتي كان آخرها استهداف حافلة تابعة لقوات الأمن المصرية، وجُرح على أثرها 18 جندياً مصرياً وذلك في مدينة العريش شمال سيناء.
هذا الحادث يأتي بعد يومٍ واحد من إعلان مصر تمديدها لحالة الطوارئ في شمال سيناء لمدة ثلاثة أشهر، وصدر هذا القرار عن رئيس الوزراء إبراهيم محلب ليشمل "المنطقة المحددة شرقاً من تل رفح مروراً بخط الحدود الدولية وحتى العوجة، وغرباً من غرب العريش حتى جبل الحلال، وشمالاً من غرب العريش مروراً بساحل البحر وحتى خط الحدود الدولية في رفح، وجنوباً من جبل الحلال وحتى العوجة على خط الحدود الدولية"، وبهذا تكون حالة الطوارئ قد مددت للمرة الثالثة على التوالي بعد إعلانها أول مرة في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي وذلك بعد مقتل 33 جندياً إثر هجوم شنته الجماعات المسلحة على الجيش المصري.
الانفلات الأمني في مصر لا يقتصر على سيناء وحدها، فالحدود الليبية المصرية تشهد تدفق أسلحة من ليبيا إلى الداخل المصري، إضافة إلى أنه في 29 يونيو/حزيران تم اغتيال النائب العام هشام بركات وذلك بتفجيرٍ استهدف موكبه بعد خروجه من منزله في مصر الجديدة بالقاهرة، وهذا ما يشير إلى أن الوضع الأمني المتأزم ليس محصوراً في سيناء وحدها بل وصلت بعض شظاياه إلى القاهرة.
وأعقب عملية إغتيال النائب العام تصريحات للسيسي توعد خلالها بوضع قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب، وأكد السيسي في كلمة ألقاها أثناء تشييع جنازة النائب العام أن الدولة لن تترك الإرهاب وشأنه، منوهاً بأن الدولة لن تصبر على ذلك وسيتم تعديل القوانين، ولكن رغم كل هذه التصريحات لم يستطع السيسي تحسين الأمن خلال الشهر المنصرم، وكذلك فإن عمليات الجيش المصري التي نفذها في سيناء خلال الأشهر التسعة التي فُرضت فيها حالة الطوارئ لم تأتِ بنتيجةٍ ملموسة، علماً أن الجيش كان قد أكد على قتله لأكثر من 100 مسلح خلال يوم واحد في إحدى عملياته.
مجريات الأحداث هذه تشير إلى أن حكومة السيسي باتت عاجزة عن فرض الأمن في سيناء والمناطق المصرية الأخرى، فالخطة التي يتبعها السيسي لم تنجح في استئصال الجماعات المسلحة من سيناء، بل وأكثر من ذلك، فكل العمليات العسكرية والأمنية التي تنفذها القوات المصرية فشلت في حد الجماعات المسلحة ومنعها من تنفيذ عمليات في القاهرة كعملية اغتيال النائب العام، ويمكن اعتبار تمديد حالة الطوارئ اعترافاً ضمنياً بهذا.
فشل السيسي في توطيد الأمن يعود إلى انتهاجه للحلول العسكرية البحتة تجاه التيارات المصرية الأخرى وخاصةً الإخوان المسلمين واتهامهم بالإرهاب، فالسيسي منذ خطابه الأول قال "أقولها واضحة وجلية: لا تهاون ولا مهادنة، مع من يريد تعطيل مسيرتنا نحو المستقبل الذي نريده لابنائنا" وفي فقرة اخرى قال "أما من أراقوا دماء الأبرياء وقتلوا المخلصين من أبناء مصر فلا مكان لهم في هذه المسيرة"، في إشارة إلى الإخوان المسلمين، وما يؤكد هذا أن حكومة السيسي فضت اعتصامات رابعة العدوية بشراسة وخلفت الكثير من القتلى، إضافة إلى اعتقال الكثير من قيادات حركة الإخوان وأنصارهم، كما أصدرت المحاكم المصرية أحكاماً بالإعدام في حق الكثير منهم، وهذا ما يسبب بحصول شرخ كبير في المجتمع المصري، الأمر الذي يشكل أرضية مناسبة لنمو الجماعات المسلحة واستشراسها.
السياسات التي ينتهجها السيسي باتت غير مجدية، فالثغرات الأمنية لاتزال موجودة في سيناء ومناطق أخرى رغم كل محاولات السيسي استئصالها، هذا بالإضافة إلى أنه لايوجد أي بوادر لتغيير السيسي لسياسته تجاه الإخوان المسلمين، الأمر الذي يُبقي على المجتمع المصري مفككاً وغير موحد ضد الجماعات المسلحة، وهذا ينبئ بأن مصر ستعاني طويلاً من اضطرابات أمنية، ليس في سيناء وحدها، بل قد تتوسع لتشمل مناطق جديدة مع مرور الزمن.