الوقت- تعود الى الواجهة مجددا قضية اطلاق سراح الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد المسجون في امريكا منذ ما يناهز ال30 عاما، وذلك في خضم التوترات التي تعصف بالعلاقات الاسرائيلية الامريكية ووسط تصريحات اسرائيلية عالية النبرة، منددة بالاتفاق النووي الاخير مع ايران. فما هي قضية هذا الجاسوس وهل سيوقع أوباما على القرار الذي لم يوقعه اسلافه ؟ وما الهدف من اطلاق سراحه في هذا الوقت بالتحديد؟
القصة الكاملة للجاسوس جوناثان بولارد
ولد جوناثان جاي بولارد عام 1954 في تكساس – امريكا لعائلة يهودية امريكية كانت تحرص على استمرار التواصل بينها وبين اليهود في الکيان الاسرائيلي. عام 1970 زار بولارد الکيان الاسرائيلي للمرة الاولى ضمن معسكر ذي طابع علمي. وعن عمر 25 عاما قُبل للعمل بالاستخبارات البحرية الأمريكية، وذلك بعد أن تمّ رفض طلبه سابقا للانضمام إلى صفوف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA )، وذلك بسبب اختبارات خضع لها اشارت الى وجود مشكلة في مصداقيته. فعمل كمحلل استخبارات مدني في الاستخبارات البحرية وعام 1984 التقى بضابط في سلاح الجو الاسرائيلي "ابيام سيلع" الذي كان يمضي اجازة دراسية في امريكا فعرض بولارد على الاخير المساعدة عبر تسريب معلومات امنية حساسة لدى الاستخبارات الامريكية تهم الکيان الاسرائيلي. وبالفعل بدأ بتزويد الاخير بوثائق قيمة تعد بمئات الآلاف. ويحلل المتابعون لقضيته بأن تجسسه لصالح الکيان الاسرائيلي أتى في مرحلة كان الکيان يشعر فيها بان حليفته الاقوى امريكا تمنع عنه معلومات حول اعدائه لذلك سعى الى تجنيد جواسيس له داخل الدولة الصديقة للحصول على المعلومات التي تهمه.
وبالفعل فقد استطاع الکيان الاسرائيلي وبالاستفادة من المعلومات التي نقلها بولارد والتي تضمنت معلومات عن اسلحة الدمار المتوفرة عند العرب بالاضافة الى مواقع تستقر بها جهات معادية للکيان الاسرائيلي للقيام بعمليات هجومية استنادا إلى هذه المعلومات وكان أهمها قصف مقرّ منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في تشرين الأول عام 1985.
لم تطل مسيرة التجسس لبولارد كثيرا حيث ثارت الشكوك حوله بعد أن عُثر في غرفته على وثائق غير متعلّقة بمجال عمله بشكل مباشر، عندها بدأ مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) بتعقّب بولارد. عندما ادرك بولارد أن أمره قد كشف حاول اللجوء وزوجته الى سفارة الکيان الاسرائيلي في امريكا الا ان السفارة لم تؤويه فتم اعتقاله بتهمة التجسس، وحُكم عليه بالسجن المؤبد، وقد تحدثت تقارير عن أن بولارد قد تسبب بأكبر ضرر على الامن القومي في تاريخ أمريكا. اما الکيان الاسرائيلي فقد انكر لمدة طويلة علاقته ببولارد الى انه اعترف بها عام 1998 واعطاه الجنسية الاسرائيلية عام 2008 واعتبر قضيته مسألة يتحمل كافة عواقبها ويلتزم بها اخلاقيا.
وبالعودة الى ظروف اعتقاله ورغم أن التجسس كان لمصلحة دولة تعتبر صديقة بالنسبة لامريكا، وكما تلتزم امريكا بأمنها بشكل كامل وصريح الا أن ما حصل قد أثار سخطا كبيرا ليس فقط وسط المحافل السياسية والامنية الامريكية بل وسط جمهور امريكي كبير وأوقع اللوبي اليهودي في امريكا باحراج جعله لا يحرك ساكنا لاطلاق بولارد ولفترة طويلة.
اما في السنوات الاخيرة وخاصة بعد اعتراف الکيان الاسرائيلي ببولارد فقد بدأت عمليات الضغط من الحكومة الاسرائيلية واللوبي اليهودي داخل امريكا بهدف اطلاق سراحه في كل فرصة سانحة. فتحول بولارد من مجرد سجين يهودي امريكي الى ورقة ضغط لدى الامريكيين على الکيان الاسرائيلي لاستخدامها في صفقة ما. ومن الجدير بالذكر أن الحديث عن اطلاق سراح الاخير قد اشتد بفترات عدة ودائما كان مرتبطا بصفقة بين امريكا والکيان الاسرائيلي كما حصل العام الماضي حين عرض الامريكيون الافراج عن الاخير مقابل افراج الکيان عن اسرى فلسطينيين والقبول بتمديد المفاوضات مع الفلسطينيين. ولكن الى اليوم ورغم مرور اكثر من ثلاثين عاما على اعتقال بولارد الا انه لم تتبلور صفقة كاملة تكون نتيجتها الافراج عنه. كما ان الرؤساء الامريكيين الذين توالوا على حكم امريكا ولاسباب كثيرة ومنها الخوف من تأليب الرأي العام الامريكي الداخلي عليهم لم يتخذوا قرار الافراج عن بولارد.
ولكن الظروف الحالية تبدو وكأن الامريكيين اصبحوا محرجين امام الکيان الاسرائيلي الى درجة يبدو اوباما حاضراً للتنازل والتوقيع على قرار الافراج عن بولارد ودون اي ثمن سياسي استرضاءً وطمأنة للاسرائيليين متجاهلا الرأي العام الامريكي والذي ترفض شريحة واسعة منه هكذا قرار. طبعا وكل ذلك في مسعى لتهدئة السخط الاسرائيلي على الاتفاق النووي الاخير مع ايران دون أن نغفل عن ذكر رزمة المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي قررت ادارة اوباما تقديمها للکيان الاسرائيلي في نفس السياق.