الوقت- كلمة السر لقضايا المنطقة رهن الإتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى والتقارب الإيراني –الأمريكي، عبارة ترددت كثيراً على لسان المحللين والسياسيين وكأنّ كل الخلافات الإقليمية والدولية كانت تنتظر الإتفاق التاريخي. فممّا لا شك فيه أنّ التقارب بين الدول الكبرى له انعكاسات كبيرة ومهمة على مختلف قضايا المنطقة والعالم، والمفاوضات النووية كانت محط أنظار العالم، حيث كان يُعوّل الجميع على وضع أطُر لحل الخلافات الدولية من خلال التوصل إلى إتفاق مع إيران يكون بمثابة الخطوة الاولى على طريق حلحلة الأزمات العالقة. فهل أنّ المرتقب بعد الإتفاق النووي يطال ما أبعد منه؟ وهل صحيح ما أُشيع عن تنازلات قدمتها إيران للوصول إلى توقيع الإتفاق أو تسويات على حساب أصدقائها؟ والأهم من كل هذا كيف سينعكس هذا الإتفاق على القضية الفلسطينية؟
إنّ الذي تابع الأحداث والمواقف منذ بداية المفاوضات يدرك أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت ثابتة على موقفها، وكانت تؤكد دائماً على لسان مرشدها الاعلى انّ المفاوضات مع الغرب تتعلق بالملف النووي فقط بالرغم من العروض والتسويات التي عرضها الطرف المقابل من أجل تسهيل المفاوضات. وكان الكيان الإسرائيلي يسعى جاهداً إلى وضع شروطه الخاصة في المفاوضات لكي ينتزع من إيران تنازلات حول القضية الفلسطينية أو الملفات الإقليمية الأخرى. ولكن الدبلوماسية الإيرانية ظلت ثابتة في وجه العواصف الغربية الإسرائيلية دون التراجع عن حقوق الشعب الإيراني وهذا ما دفع المفاوضات أكثر من مرة للسقوط في الفخ الإسرائيلي لولا الصبر والحنكة والثبات الإيراني.
فيربط العديد من المحللين السياسيين والكتاب والمعلقين أثناء تناولهم المفاوضات النووية الإيرانية بين طهران ودول المجموعة 5+1، الملف النووي الإيراني بملفات عدة في المنطقة، منها القضية الفلسطينية، الأزمة السورية، الأزمة في البحرين، الوضع في العراق واليمن، الانتخابات الرئاسية اللبنانية، أو العلاقات مع تركيا والسعودية وغير ذلك من القضايا الإقليمية الأخرى .
ولكن العارف بالشؤون الإيرانية والمتابع لها عن قرب يعلم أنّ هناك تياراً داخل الجمهورية الإسلامية كان يعارض الإتفاق النووي، لأنه كان يشعر على طول محطات المفاوضات أنّ الغرب يريد أن يبيع إيران إتفاقاً مقابل التنازل عن ثوابت يرى الإيرانيون أنها خطوط حمراء ولا يمكن المساس بها لأنها تمثل قيم وأخلاق ومبادئ الشعب الإيراني إلى جانب المستضعفين وفي وجه المستكبرين في العالم.
فمن هنا كان الإمام الخامنئي والشيخ روحاني والمفاوضين واضحين منذ البداية بأن لا تسويات خلال المفاوضات. ولا يمكن خلط أوراق قضايا أخرى بالملف النووي. ولكن يرى بعض المقربين من القيادة الإيرانية أنه لا مانع لديها من طرح قضايا أخرى للنقاش مع الدول الكبرى ولكن بشكل منفصل عن المفاوضات النووية. وهذا ما يظهر قوة إيران والندّية في التعاطي مع المجتمع الدولي.
وتتابع الفصائل الفلسطينيّة هذا التقارب الإيراني ـ الأمريكي المحتمل، ومدى تأثيره على فلسطين، لا سيّما وأن قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية تعتمد بشكل أساسي على الدعم المالي والعسكري الذي تُقدّمه الجمهورية الاسلامية لها.
ويُؤكّد قياديّون في الفصائل الفلسطينيّة، ومحللون سياسيّون، أن القضيّة الفلسطينيّة لا يُمكن أن تكون بشكل أو بآخر جزءاً من الاتفاق النووي، مستبعدين أن تتكبّد الفصائل الفلسطينيّة ضريبة "السلام النووي"، أو أن يتراجع الدعم الذي تُقدّمه إيران للفصائل الفلسطينيّة، لا بل يرون أن هذا الدعم قد يشهد تقدّماً ملموساً بفعل رفع العقوبات الاقتصاديّة عن الجمهورية الإسلامية .
ويرى القيادي في حركة حماس يحيى موسى أنّ الدعم الإيراني لفصائل المقاومة الفلسطينية تستفيد منه الجمهوريّة الإيرانيّة بالقدر ذاته الذي تستفيد منه القضية الفلسطينية . ويوضح أن "القضية ليست من طرف واحد، وإنما من طرفين، وإيران ستحافظ على بقائها وبقاء هذا العنوان ضمن سياساتها المهمة، ولا أعتقد أنها ستضحّي بهذا العنوان . " ويُشير موسى، في تصريحات صحفية إلى أنّ "إيران معنيّة بالقضية الفلسطينيّة، ومعنيّة ببقائها كلاعب أساسي في هذه القضيّة، ولذلك فهي لن تتخلى عن هذا الدور"، مضيفاً "أنا لا أنظر الى القضية باعتبار مصلحة عند الفصائل، وإنما هي مصلحة مشتركة" .
أما عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر، فقال إن الاتفاق النووي الإيراني لا يُمكن أن يؤثر بشكل أو بآخر على الدعم الذي تُقدمه الجمهوريّة الإسلاميّة للفصائل الفلسطينيّة، وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وأضاف: "إيران لا يُمكن أن تتخلّى عن حلفائها في فصائل المقاومة الفلسطينيّة، ودعمها بالمال والسلاح، وستُبقي خطاً مفتوحاً بينها وبين فصائل المقاومة لضمان استمراريّة هذا الدعم الذي يُعتبر الرافد الأساسي للفصائل الفلسطينيّة . وأضاف مزهر "أنه لا يمكن لأمريكا فرض أي ضغوطات على إيران فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ولا أعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تنجح في فرض هذه المعادلة على إيران، فهي لاعب مهم في المنطقة، والهدف هو احتواء إيران، وليس فرض إملاءات عليها بخصوص دعمها للمقاومة."
أما حزب الله فيرى أنّ الإتفاق النووي سوف يقوّي محور المقاومة ويجعله أكثر حضوراً في مختلف القضايا والملفات الإقليمية، وأنّ إيران بما تمثله من ثورة إسلامية أعلنها الإمام الخميني وبقيادة الإمام الخامنئي لن تتخلى عن مبادئها بدعم الشعوب المستضعفة بل يرى الحزب أنّ بعد الإتفاق سوف يزداد الدعم لحركات المقاومة في وجه الکيان الإسرائيلي.
ويرى شعب البحرين المظلوم أنّ الجمهورية الإسلامية كانت ولا زالت إلى جانب نضال الشعب البحريني لتحقيق مطالبه الوطنية ولن يغير الإتفاق إصرار إيران على دعم الشعب البحريني في وجه النظام الظالم.
أما اليمن الذي تستبيح السعودية دماء أبنائه ونسائه وأطفاله مع سيدها الأمريكي، فيرى أن إيران النووية هي أمل الشعوب المستضعفة والمظلومة وانّ الضغوطات لن تغير من موقف إيران تجاه الشعب اليمني.
وسوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد ترى أنّ إيران باقية على موقفها بالنسبة للحرب عليها وأنّ العلاقة مع إيران لا يهزها إتفاق ولا تسويات.
فالجمهورية الإسلامية مازالت على العهد وإيران النووية هي ذاتها إيران الإمام الخميني بقيادة الإمام الخامنئي والشعب الإيراني سار خلف قائده معلناً للعالم أجمع أن الجمهورية الإسلامية في إيران أصبحت نووية بشهادة العالم ومازالت على عهد مؤسسها، والبوصلة واضحةٌ وضوح الشمس ولن يحرف إتجاهها لا إنتصار نووي ولا تسويات ولا تهديدات، ولن تكون تنازلات على حساب الثوابت. بل إنّ كل إنتصار جديد سيعزز من حضور إيران في المنطقة والعالم وهي لن تتنازل عن العهود التي قطعتها مع حلفائها فهي لا تخون الثقة ولا تبيع الحلف.