الوقت-"كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"، نعم هي آية صغيرة لكنها تحمل الكثير من المعاني، يوم الجمعة الماضي كان يوماً مجيداً للعرب، يوم قبض روح السفاح الإسرائيلي الذي قتل الآلاف من أبناء جلدتنا، إنه سفاح مجزرة كفر سالم ونكسة عام 67، شدمي يسسخار، الذي يعدّ من أبرز سفاحي الجيش الإسرائيلي في حروبه ضد الدول العربية سواء في فلسطين أم مصر أم سوريا.
لن ننسى مجزرة كفر قاسم
أعلنت وسائل إعلام عبرية وفلسطينية يوم الجمعة الماضي، وفاة الضابط في الجيش الإسرائيلي الذي قتل 49 شخصاً من سكان قرية كفر قاسم الفلسطينية.
كان شدمي في تلك الأيام قائداً للوحدة المسؤولة عن الجبهة خلال العدوان الثلاثي على مصر العام 1956، والتي كانت على أهبة الاستعداد لاحتمال تدخل أردني في الحرب إلى جانب مصر، وقرر الضابط الإسرائيلي فرض حظر للتجوال في المنطقة، وخصوصاً في قرية كفر قاسم، من الساعة الخامسة مساءً إلى السادسة من صباح اليوم التالي، إلا أنّ أهالي القرية من العمال العاملين خارجها، لم يعرفوا بحظر التجوال، وانتشرت فرقة حرس الحدود على مداخل القرية، وعند الساعة الخامسة مساءً، أوقفوا كل شخص كان عائداً من خارجها، وبعد أن جمعوا 49 منهم أمروهم بالاصطفاف على حافة الطريق وأطلقوا النار عليهم، كان من بين الضحايا عمال ونساء وأطفال، واستشهد ثلاثة آخرون في القرى المجاورة بعد ساعات فرض منع التجول.
وقبيل المجزرة نفذت "إسرائيل" سلسلة مجازر منها مجزرة يوم 11 سبتمبر/أيلول 1956 حيث قتلت 20 جندياً أردنياً في هجوم على معسكرهم ثم قتلت 39 فلسطينياً في قرية حوسان قضاء بيت لحم و88 آخرين في قلقيلية في نفس الشهر.
وبعد انفضاح أعمال الوحدة الإسرائيلية وضابطها، أجريت محكمة عسكرية لجميع الضالعين فيها، حيث أقرّ قائد فرقة حرس الحدود، شموئيل مالينكي، بأن شدمي أمرهم بفرض حظر التجوال باستخدام القوة، وحين سأل عن العمال العائدين من عملهم خارج القرية، أجاب شدمي "الله يرحمهم"، وبعد هذه الاعترافات أصدر القضاء الإسرائيلي أحكاماً على جنود فرقة حرس الحدود بالسجن بين 15 إلى 17 عاماً، واعتبر عملهم غير قانوني وغير إنساني، لكنهم حصلوا بعدها بمدة قليلة على عفو من رئيس "إسرائيل" حينها،
أما شدمي، قائد الوحدة، فتمت تبرئته من أعمال القتل بذريعة أن أوامره فُهمت خطأ على يد جنود الفرقة، فحكمت عليه المحكمة بدفع غرامة قيمتها قرش واحد لا غير!
تكرار المجازر الإسرائيلية
منذ وعد بلفور المشؤوم سعى الصهاينة إلى تصوير فلسطين على أنها أرض بلا شعب، فأخذوا يرتكبون المجازر بحقهم وتهجيرهم إلى البلدان المجاورة، ولتنفيذ هذه الخطة الإجرامية اعتمد العدو الصهيوني على إنشاء العصابات الإرهابية المسلحة، وأشهر هذه العصابات: شتيرن والأرغون والهاغاناه، وهذه العصابات هي التي كوّنت فيما بعد ما يعرف بجيش الدفاع الإسرائيلي، وتشير الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية أن عدد الشهداء الذين استشهدوا بين عامي 1937 إلى عام 2004 يبلغ حوالي 13000 شهيد، وهناك مجازر أخرى لكن أعداد الشهداء لم تعرف حتى الآن وهي تقدر بالعشرات.
واستمرت آلة القتل الإسرائيلية تلاحق الفلسطينيين أينما ذهبوا، حيث إن المذابح لاتزال تمارس وإن بشكل أقل عن فترة الأربعينيات من القرن الماضي إذ هدف الإسرائيليون من وراء ذلك إلى تدمير البنى التحتية للفصائل الفلسطينية أو لإخافة وإرهاب الشعب الفلسطيني لوقف مقاومته ضد الاحتلال كما حدث في مجزرة حرق الطفل الدوابشة، حيث قامت مجموعة من المستوطنين بالهجوم على منزل المواطن سعد دوابشة (30 عاماً)، وقاموا بخلع الباب وإلقاء عبوة مشبعة بمواد سريعة الاشتعال إلى الداخل ما أدّى إلى حرق المنزل بالكامل وإصابة العائلة بحروق، بينما استشهد رضيعها علي متأثراً بجروحه نتيجة الاحتراق الشديد.
وكما في مجزرة كفر قاسم، أصدر القضاء الإسرائيلي أحكاماً مخففة بحق المتطرف الإسرائيلي الذي اعتدى على العائلة، حيث منعته من الدخول إلى الضفة الغربية (الفلسطينية) لمدة 6 أشهر، وحبسته منزلياً لمدة 3 أشهر، هذه المسرحية الهزلية وجدت صداها أيضاً خارج المحكمة، وإنما ليس ضد قرار المحكمة الظالم، بل دعماً للمعتدي حيث تجمّعت مجموعات عنصرية مما تسمى "شبيبة التلال" أمام المحكمة المركزية الإسرائيلية خلال نظرها في قضية إحراق عائلة دوابشة، وأخذوا يهتفون بهتافات التحريض على قتل الفلسطينيين، هذه الهتافات تفاخرت بحرق الطفل دوابشة وعائلته عبر الصراخ في وجه جده "علي المشواه"، وذلك على مرأى ومسمع من المحكمة ووسائل الإعلام والشرطة الإسرائيلية الموجودة في المكان دون أن تحاول التدخل لمنعهم من الاستمرار في هتافاتهم العنصرية.
من هنا يمكننا القول إن التساهل مع المستوطنين المتطرفين في السابق أدّى إلى استمرار المجازر بحق الأبرياء في فلسطين حتى يومنا هذا، فلو نفذت المحكمة الإسرائيلية قراراتها بحزم بحق شدمي يسسخار وأعضاء فرقته لما استمر المستوطنون بأعمالهم الإجرامية بحق الأبرياء وما كان قد حرق علي الدوابشة وعائلته وما ارتكبت الكثير من المجازر على أيديهم، إلا أن الكيان الإسرائيلي وكما ذكرنا سابقاً قد قام بهذه المجازر التي لولاها لما استطاع اليوم أن يأخذ كل فلسطين.
ختاماً... إن مجازر الكيان الإسرائيلي مستمرة، وستستمر حتى تتمكن من الوصول إلى مبتغاها، أما بالنسبة للفلسطينيين فلا أحد يستطيع حمايتهم، لا سلطة تدافع عن حقوقهم، ولا دولة توقف تعديات الإسرائيليين عليهم، ولا عرب ينادون بقضيتهم التي باعها بعضهم بالرخيص في صفقة سميت بصفقة القرن.
وفي المقابل فإن "إسرائيل" ماضية في تنفيذ مخططاتها وهي تحظى بدعم أمريكي ودولي غير مسبوق رغم خرقها للمعايير والأعراف الدولية التي تنص على احترم حقوق الآخرين، وهي تؤكد للعالم أجمع وبشكل قانوني واضح أن "إسرائيل" ليست دولة لجميع مواطنيها، ولا حتى دولة ثنائية القومية، بل هي لليهود حصراً ودون سواهم، فمتى تستيقظون أيها العرب من سباتكم؟.