الوقت- مع بدء الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران عام 2017 تركّز الرد القطري على مهاجمة الإمارات، ومحاولات تحييد السعوديّة، البعض فسّر هذا الأمر بالتنافس التاريخي بين البلدين، في حين أرجعه البعض الآخر إلى اعتقاد الدوحة بوقوف الإمارات خلف مشروع استهداف قطر بشكل عام وعملية القرصنة التي تمت من خلال اختراق وكالة الأنباء القطرية وبث معلومات كاذبة على لسان الأمير تميم بن حمد آل ثاني على وجه الخصوص.
مسار الأزمة الذي بدأ بالحصار والتراشق الإعلامي انتقل إلى المحاكم الدوليّة بين الدوحة وأبوظبي، في ظل غياب شبه تام للسعوديّة، لكن الأسابيع القليلة الماضية تكشف تغيّراً واضحاً في الآلة الإعلامية القطرية حيث تعجّ بالأخبار التي تهاجم السعوديّة وتضعفها.
لم تقتصر هذه الهجمات المركّزة على السعودية على قناة الجزيرة، وإن امتلكت حصّة الأسد بل طالت كل وسائل الإعلام المحسوبة على الدوحة، ولا عليك سوى أن تفتح أي موقع قطري لتجد كمّ التقارير والمقالات التي تتحدث عن ابن سلمان والسعودية وما يجري فيها بأدق التفاصيل، وكانت الحرب التي تم تجاوزها عسكرياً بدأت تتحول لحرب إعلامية على أعلى مستوى، لكون الصحف السعودية أيضاً لم تدّخر جهداً في مهاجمة قطر وأميرها والدفاع عن مشاريعها التي تستهدف من خلالها أمن قطر ومصالحها في المنطقة ولاسيما التمجيد غير المسبوق لوسائل الإعلام السعودية لمشروع قناة سلوى.
ماذا تخفي هذه الحرب الإعلامية؟!
أولاً: حاولت الدوحة تحييد السعودية في رسالة إيجابية تجاهها، لذلك ركّزت على الإمارات، خاصّة في ظل وجود حدود بريّة بين السعودية وقطر، ربما لمست قطر التعنّت السعودي فبدّلت استراتيجيتها الإعلاميّة، وقد يكون خلف هذا الهجوم الإعلامي على ابن سلمان التقارير الأخيرة التي أكدت أن السعودية كانت تعمل على احتلال قطر بالتعاون مع مصر والإمارات.
على سبيل المثال لا الحصر وقبل حوالي شهر من الآن ذكرت صحيفة "Intercept"، أن وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيلرسون، أوقف خطة سرية قادتها السعودية ودعمتها الإمارات وكانت تخصّ اجتياح قطر وغزوها عملياً.
وحض تيلرسون، حسب الصحيفة، وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، على الاتصال بالمسؤولين العسكريين في السعودية "ليوضح لهم مخاطر مثل هذا التدخل"، ولا سيما أن قطر تستضيف على أراضيها قاعدة العديد التي تشكّل موطئ قدم لعمليات أمريكا في الشرق الأوسط، وتستقبل نحو 11 ألف عسكري أمريكي.
وقبل ساعات من الآن نشر موقع "الخليج أونلاين" معلومات كان قد كشفها ستيف بانون، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الاستراتيجية سابقاً، أن خطة احتلال قطر كانت جاهزة قبيل بدء الأزمة الخليجية، وتحديداً خلال القمة الإسلامية - الأمريكية التي عقدت بالرياض في مايو 2017.
وذكر بانون، بحسب مقطع مصور أعيد تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الأحد، خلال جلسة له في أحد المعاهد البحثية الأمريكية، والذي كان أيضاً ضمن الوفد الأمريكي في القمة، أنه كان مطلعاً على الخطة التي دبرتها الإمارات ومصر والسعودية ضد دولة قطر.
وأضاف: "كان يُنظر إلى القمة الإسلامية في الرياض على أنها فرصة للاستيلاء على قطر عوضاً عن حل الأزمة"، مبيناً أنه "كان ينبغي محاسبة قطر على دعمها للإخوان وحماس وعلاقتها بتركيا وإيران"، على حدّ قوله.
وتابع قائلاً: "بالنظر إلى الأشخاص الذين كانوا بجانبنا خلال القمة، وعلى الرغم من كوني لست خبيراً في العلاقات الخارجية، لكنني أدركت حينها أن الإمارات ومصر والسعودية كانت لديهم خطة محكمة ضد قطر".
ثانياً: قناة سلوى هذا المشروع الذي من شأنه تأزيم العلاقات أكثر وأكثر نظراً لتفاصيله المريبة بالنسبة لدولة قطر والتي ستتحول من خلاله إلى جزيرة معزولة لا تملك أي حدود برية مع أحد، وقام المستشار في الديوان الملكي بإعادة الحديث عنه كنوع من ابتزاز قطر، وكتب المستشار في الديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني في تغريدة: "انتظر بفارغ الصبر والشوق تفاصيل تطبيق مشروع #قناة – جزيرة – شرق - سلوى هذا المشروع العظيم التاريخي الذي سيغيّر الجغرافيا في المنطقة".
ومشروع القناة سيمتد 60 كيلومتراً بعرض 200 متر وعمق 20 متراً لتسمح بمرور سفن طولها 295 متراً بسعة 33 متراً وتشير التقديرات الأولية للتكلفة لنحو 747 مليون دولار، ويصل طول القناة إلى ما يزيد على رقم 60 كيلومتراً.
وما يؤكد لنا أن المشروع فقط بغرض ابتزاز قطر هو أن المشروع ليس له أي جدوى اقتصادية بالنسبة للسعودية، وعلى افتراض أن الحدود مع قطر ستظل مغلقة فإن سوقاً رئيسياً لأي نشاط تجاري أو سياحي سيكون مغلقاً في هذه المنطقة قليلة السكان والبعيدة عن المراكز الصناعية.
كما أنه من المستبعد تحوّل سفن الشحن من الشمال إلى الجنوب عبر هذا الممر الضيّق بعيداً عن الخليج نفسه بحسب مجلة فوربس.
ثالثاً: في مقابل هذا فإن قطر لديها نقاط قوة إحداها القاعدة الأمريكية الموجودة على أراضيها، وعدم تخلي حلفائها عنها، والأهم من هذا وذاك ضعف ولي العهد محمد بن سلمان الذي بدأ يظهر واضحاً في جميع الملفات الداخلية والخارجية، ومن هنا استغل الإعلام القطري هذا الضعف وركّز عليه في محاولة للتشفي، علّ السعودية تضطر للتراجع وإبرام صفقة هدنة مع قطر.
في الختام لا نعلم إن كان هناك اتفاق سرّي بين الإمارات والدوحة للتخفيف من مهاجمة الأخيرة إعلامياً للأولى، مقابل التركيز على الرياض، أي إن الإمارات تريد إظهار السعودية المسؤول الأوّل عن الأزمة.