الوقت- استطاع الديمقراطيون الفوز في الانتخابات الأولية التي أُقيمت هذا الأسبوع، ولذا فإنهم متفائلون للغاية بشأن مستقبلهم وبفوزهم في الانتخابات النصفية المزمع عقدها خلال الأشهر القادمة، ولكن يجب أن يكونوا حريصين من سياسات الأحزاب اليسارية واليمينية، فعلى مدى العقد الماضي، كان الفشل في الانتخابات من نصيب الحزب اليساري الأوسط ولذا يجب على الديمقراطيين قبول هذه الحقيقة والاستفادة من استراتيجية مناسبة لتغيير عملية الفشل هذه والفوز في الانتخابات القادمة.
لقد كان الديمقراطيون حاضرين في الكونغرس والجمعية التشريعية والحكومة خلال الـ 100 عام الماضية، لكنهم لم يكونوا وحدهم الموجودون في تلك الساحات السياسية ومقار صناعة القرار، فوفقاً لـ"ديفيد ميليباند"، وزير الخارجية البريطاني السابق، ففي عام 2010، حصل "حزب العمال" على ثاني أسوأ نتيجة في الانتخابات خلال القرن الماضي وفي العام نفسه في السويد، كان يعيش الحزب الاشتراكي الديمقراطي أسوأ مراحل حياته منذ عام 1911 وفي ألمانيا عام 2009، كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يعيش أيضاً أسوأ مراحل حياته منذ تأسيس الجمهورية الفدرالية عام 1949 وفي فرنسا، كان الحزب اليساري يعيش أوضاعاً مأساوية له منذ عام 1969.
وعندما ننظر خلف الكواليس، يصبح الوضع أكثر إرباكاً، فبعد مرور عشر سنوات على بدء أسوأ ركود اقتصادي بعد الكساد العالمي الكبير - أزمة مالية عالمية، يرجع سبب حدوثها إلى إهمال القطاع الخاص - كان يتم توبيخ وإلقاء اللوم دائماً على الأحزاب اليسارية وكانت تتم الإشادة غالباً بالأحزاب اليمينية. لماذا؟
للإجابة على هذا السؤال، قام مجموعة من الباحثين بتأليف كتاب ممتاز في الخريف الماضي بعنوان "لماذا يفشل الحزب اليساري دائماً: انخفاض سلطة الحزب اليساري المعتدل من منظور مقارن"، وفي هذا الكتاب قال "شري بيرمان" وهو أستاذ في كلية "بارنارد" في المقدمة: إن الإجابة على ذلك السؤال تتمحور في ثلاثة عوامل.
العامل الأول: يرجع إلى القادة والقيادة، إن للشخصيات السياسية تأثيراً كبيراً في السياسة ولذا فإنه يجب عليك النظر إلى الفروقات والاختلافات الموجودة بين "دونالد ترامب" و"هيلاري كلينتون" في كسب الكثير من المؤيدين والتواصل معهم بشكل فعّال، ولقد أخبرني رئيس الوزراء البريطاني السابق "توني بلير" مؤخراً أن الزعيم الوحيد للحزب اليساري المعتدل هو "جاستين ترودو" من كندا وبأن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، الذي من المرجّح أن يتبع الحزب اليساري المعتدل، يعتبر من أهم الشخصيات الجذابة والمؤثرة على الناس في العالم، وفي المقابل، أنظر إلى حزب العمال البريطاني، الذي يديره قادة لا يحبهم الكثير من البريطانيين.
ولا يجب القول بأن القيادة هي السبب الرئيسي في الفشل لأن الحزب اليساري واجه الكثير من الفشل خلال العقود الماضية وذلك لأن جميع الأحزاب اليسارية لم يكن يديرها دائماً سياسيون فاسدون.
والعامل الثاني: الذي تطرّق إليه "بيرمان"، هو طبيعة النظام الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، الذي يتكون من القوى العاملة المنضمة إلى اتحاد العمال وقطاعات التصنيع والاقتصاد المنظّم وشبكات الأمان وهذا الاقتصاد السوقي الاجتماعي والذي كان شائعاً حتى في أمريكا، تم إنشاؤه بشكل رئيسي من قبل الحزب اليساري. (لقد كان الحزب اليميني يهتم بشكل كبير ببرامج الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي)، لذلك، يقول "بيرمان" إنه عندما يتعرّض هذا النظام لخطر العولمة وتكنولوجيا المعلومات، فإن ذلك يرجع إلى عدم قدرة الحزب اليساري على الاستجابة لمثل هذه الأحداث والتعامل معها بشكل جيد.
والعامل الثالث: الذي تطرّق إليه "بيرمان"، يتعلّق كثيراً بالمسائل الإيديولوجية، فهو يعتقد بأن الحزب اليساري هنا، يواجه التحدي الأكبر، ففي جميع أنحاء العالم، تغيّر تركيز السياسة من الاتجاه السائد للاقتصاد إلى القضايا الشخصية والاجتماعية ولربما يرجع ذلك إلى صعود كتلة الطبقة الوسطى، ولربما هذا هو السبب في أن يكون للأحزاب اليسارية واليمينية برامج مختلفة تماماً عن بعضها البعض، وبالتأكيد عند مقارنة الـ50 عاماً التي مضت، عندما أراد العديد من أنصار الجناح اليساري تأميم الصناعة، لم يكن لدى العديد من أعضاء الحزب اليميني أي نية لإنشاء شبكات الضمان الاجتماعية ولكن مهما كان السبب، فإن الناس في وقتنا الحالي يتأثّرون كثيراً بالقضايا العنصرية والدينية والعرقية والجنسية والشخصية ولهذا فإن الحزب اليساري يواجه معضلة فيما يخصّ هذه القضايا ولو كان الحزب اليساري يدعم قضايا الهوية والتنوع العرقي، فإنه كان سوف يواجه معارضة قوية من مؤيديه القدامى الذين يتمثّلون في حشود البشرة البيضاء.
وأخيراً.. وصف "بيرمان" هذا التحدي على النحو التالي: "لطالما كان للحزب اليساري رؤية واعدة للمستقبل يتفق معها الجميع" ولكن عندما يكون جزء كبير من الناس خائفين ومتشائمين، فإنه من الصعب للغاية إعطاء الناس الأمل من جديد.