الوقت - مع اقتراب موعد المحادثات بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ونظيره الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" المقرّرة في سنغافورة في 12 من الشهر الحالي، تكثّفت التحركات الدبلوماسية للأطراف المعنية ولاسيّما من قبل روسيا والصين.
ومن بين هذه التحركات زيارة وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" لـ "بيونغ يانغ" ولقائه بنظيره الكوري الشمالي "ري يونغ هو" للتباحث بشأن العلاقات بين البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك والتي من المؤكد أنها تناولت المباحثات المرتقبة بين ترامب و"كيم جونغ أون"، وهذا اللقاء هو الثاني بين لافروف و"ري يونغ هو" خلال شهر واحد بعد لقائهما الأول في موسكو.
وروسيا هي واحدة من الدول المؤثّرة في المحادثات السداسية التي تضمّ بالإضافة إليها كلّاً من أمريكا والصين واليابان والكوريتين "الشمالية والجنوبية" والتي تهدف للتوصل إلى تسوية للأزمة بشأن البرنامجين النووي والصاروخي لـ"بيونغ يانغ".
والتساؤل المطروح: ما الذي تريد موسكو تحقيقه من وراء مساعيها الحثيثة للتوصل إلى حلّ للأزمة الكورية الشمالية؟
يمكن تلخيص الإجابة عن هذا التساؤل بما يلي:
المصالح الاقتصادية
يسهم حلّ الأزمة في شبه الجزيرة الكورية بتعزيز فرص موسكو الاقتصادية التي تأثرت إلى حدّ ما بالعقوبات المفروضة على "بيونغ يانغ" على خلفية برامجها النووية والصاروخية، ومن هذه الفرص تنفيذ المشاريع المشتركة بين روسيا والكوريتين ولاسيّما فيما يتعلق بمدّ سكك الحديد التي تربط بين موسكو والشرق الأقصى والتي يصل طولها إلى 9289 كيلومتراً والذي يعتبر أطول خط سكك حديد في العالم وهو يتصل أيضاً بالخط الذي يربط بين منغوليا والصين وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى ذلك هناك خط أنابيب عملاق لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى شبه الجزيرة الكورية.
ومن الفوائد الأخرى التي ستجنيها موسكو من حل الأزمة الكورية الشمالية إمكانية استضافة أعداد كبيرة من الأيدي العاملة الرخيصة التي يمكن أن توفرها "بيونغ يانغ" في حال تم رفع العقوبات الدولية عنها.
المصالح السياسية والأمنية
من المؤكد أن حل الأزمة الكورية الشمالية سيعود بالنفع الكبير على روسيا من الناحيتين السياسية والأمنية باعتباره يمهّد الأرضية أمام موسكو للعب دور أكبر في منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا، كما يسهم في منع توافد أعداد كبيرة من المهاجرين من هاتين المنطقتين إلى الأراضي الروسية والتي كانت تسبب في السابق ضغوطاً اقتصادية وأمنية واجتماعية على موسكو.
ومن الأهداف الاستراتيجية الأخرى التي تسعى روسيا لتحقيقها من خلال محاولاتها لحل الأزمة الكورية، تعزيز تقاربها مع الصين في كل المجالات والذي شهد تطوراً ملحوظاً بعد وصول الرئيس الأمريكي "ترامب" إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2017، وتحقيق هذا الهدف يستدعي من موسكو وبكين التوصل إلى تفاهم وتنسيق شامل للعب دور أكبر في تسوية المعضلة الكورية الشمالية، وهذا الأمر من شأنه أن ينعكس إيجابياً أيضاً على علاقات روسيا والصين فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية الأخرى ومن بينها ضرورة التنسيق والتعاون التام في اتخاذ القرارات الاستراتيجية حيال التطورات في منطقة الشرق الأوسط.
وتجدر الإشارة إلى أن موسكو وبكين ترفضان أي محاولة لواشنطن قد تؤدي إلى إضعاف كوريا الشمالية بحجة ضرورة نزع سلاحها النووي، لأن ذلك من شأنه أن يمهّد السبيل لأمريكا لتعزيز نفوذها في شبه الجزيرة الكورية وعموم منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا، ما يعني بالتالي تقلص نفوذ روسيا والصين في هذه المناطق وهو ما ترفضه موسكو وبكين بكل تأكيد.
وتنبغي الإشارة أيضاً إلى أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" كان قد أكد قبل أيام بأن تسوية الأزمة الكورية الشمالية بالطرق الدبلوماسية تحظى باهتمام بالغ من قبل موسكو، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة الحفاظ على استقلال وسيادة كوريا الشمالية وتمكينها من اتخاذ القرار الذي يناسبها خلال محادثات رئيسها "كيم جونغ أون" مع نظيره الأمريكي "ترامب" المقررة في سنغافورة الأسبوع القادم.
ويعتقد المراقبون بأن نجاح موسكو في لعب دور مؤثر لتسوية الأزمة الكورية سيزيد من أهمية ومكانة روسيا في المنطقة والعالم باعتبارها إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التي تمتلك حق النقض "الفيتو" والذي يمكن أن يسهم في ترجيح ميزان القوى لمصلحة المعسكر الشرقي أمام المعسكر الغربي الذي تقوده أمريكا التي تسعى للتفرد بالقرارات الدولية بعد أن فشلت في ترسيخ سياسة "القطب الواحد" التي اعتمدتها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في مطلع تسعينات القرن الماضي.
وتعتقد كلّ من روسيا والصين بأن تسوية الأزمة الكورية ستلغي ذريعة أمريكا لتعزيز وجودها العسكري في عموم المنطقة وستكون عندها واشنطن مرغمة على سحب منظومتها الصاروخية البالستية "ثاد" التي تنشرها في أراضي كوريا الجنوبية بحجة مواجهة تهديدات "بيونغ يانغ" لأن روسيا والصين تعتقدان بأن هذه المنظومة تشكّل تهديداً أمنياً لهما، وهذا الأمر في حال تحققه سيسهم أيضاً في ضمان تفوّق موسكو وبكين على واشنطن من الناحية العسكرية، فضلاً عن باقي النواحي الاقتصادية والسياسية والأمنية.