الوقت - في مثل هذه الأيام قبل ثمانية عشر عاماً، أي في الخامس والعشرين من شهر أيار/مايو من العام 2000، جاء الحدث التاريخي المتمثّل بتحرير الجنوب اللبناني على يد المقاومة الوطنية اللبنانية، وإجبار العدو الإسرائيلي على الانسحاب لأول مرة من أرض عربية تحت وطأة ضربات المقاومين في حزب الله. هذا الانتصار الذي تعدّت تأثيراته الزمان والمكان، أسس لحقبة تاريخية جديدة، فأصبحت المنطقة ما بعده تختلف عمّا كانت قبله، ومنذ ذلك الحين بدأ موقع وقوة وتأثير حزب الله يتعاظم بفعل تضخّم المسؤوليات والتحديات، حتى غدا اليوم لاعباً مهمّاً لا يمكن تجاهله ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة ككل.
شكل انتصار أيار 2000 الانعطاف الأول في الصراع العربي الإسرائيلي، وأحدث نقطة فارقة في تاريخ الصراع مع الصهيونية، فبعد نضال وكفاح مستمرين على مدى 22 عاماً تم إجبار العدو الصهيوني على الرحيل ذليلاً وتحت جنح الظلام عن معظم الأراضي اللبنانية، الأمر الذي عزّز الإيمان لدى الشعب اللبناني والشعوب العربية بخيار المقاومة، والتمسك بما تبقى من أراضٍ محتلّة، كما ساهم في توحيد الصفّ اللبناني، وترسيخ معادلة الجيش والشعب والمقاومة، وفرض معادلة جديدة في الصراع مع العدو الصهيوني، وعلى الصعيد الإقليمي أدّى انتصار أيار إلى كسر أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وانتقال الكيان الإسرائيلي من مرحلة التوسع والتمدد على حساب الواقع العربي والإسلامي، إلى مرحلة الدفاع، وأوجد معادلة جديدة للردع أسست لانتصارات الفلسطينيين، وتعزيز إيمانهم بخيار المقاومة، وأفرز جيلاً جديداً لا يقبل بالهزيمة والاستسلام ولا يقبل بالخضوع لمطالب "إسرائيل" ومن معها.
وكان انتصار أيار 2000 مقدمة لسلسة من الانتصارات تمثلت بعمليات أسر لجنود العدو الإسرائيلي تم من خلالها تحرير الأسرى اللبنانيين وأسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وفي هذه الأثناء كان حزب الله يعمل على تعزيز قدراته في شتى الأصعدة، بما فيها رفع مخزونه من الصواريخ من 20 ألف بمدى 30 كيلومتراً إلى أكثر من 100 ألف صاروخ تطول كل أنحاء فلسطين المحتلة، الأمر الذي أسس لانعطافة أكبر تمثلت بانتصار في حرب تموز 2006، وكسر شوكة الجيش الإسرائيلي وإذلاله، وعندها انتقل حزب الله إلى دور يمكن وصفه بأنه أكبر من وطني وأقل من إقليمي. أما بعد حرب تموز انتقل حزب الله إلى مرحلة أقوى في الجهوزية القتالية نتيجة الظرف الذي حتّم عليه الدخول إلى سوريا لمواجهة الجماعات التكفيرية، فكان لاعباً بارزاً في المعادلة السوريّة ليكرّس نفسه لاعباً إقليمياً بارزاً لا يمكن تجاهله.
بدأ حزب الله لعب هذا الدور الكبير، منذ إعلان الانتصار في أيار 2000، إذ أهدى حزب الله انتصاره لكل اللبنانيين ولكل الشعوب العربية والاسلامية، ولم يحصر أهدافه وتطلعاته بالمصالح الحزبية الضيقة ولم يتخلَ عن المقاومة ضد العدو الإسرائيلي ودعم المقاومة الفلسطينية، ورفض العرض الأمريكي الذي أفصح عنه مؤخراً سماحة السيد حسن نصرالله -والذي جرى بوساطة الصحفي اللبناني "جورج نادر"- الذي ينصّ على أن يدخل حزب الله في الحكومة والسلطة ويحصل على مليارات الدولارات من أمريكا لقاء التوقف عن مقاومة العدو الإسرائيلي، الأمر الذي عزّز من مكانته في الوجدان العربي.
اليوم يمتلك حزب الله خبرة قتالية نادرة تجمع بين تكتيكات حرب العصابات والجيوش النظامية، حيث إن المشاركة في الحرب على الارهاب في سوريا أكسبت مقاتلي الحزب خبرة واسعة، ونقلت إليهم تجارب القوى الحليفة سواء الجيش العربي السوري أم المستشارين الإيرانيين، كما أن تنوّع الميادين واختلاف ظروفها عززت من قابلية حزب الله على التأقلم مع أي ظروف محتملة، أما من الناحية السياسية فنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان، كانت أكبر دليل على شعبية حزب الله، وتماسك بيئته الحاضنة وإيمانها بخياراته، وبالأدوار التي ضلع بها في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق، الأمر الذي يكرّس المعادلة التي أعلن عنها سماحة الأمين العام: "نكون حيث يجب أن نكون".
وهناك نقطة مهمة تجدر الإشارة إليها في الواقع الذي يعيشه حزب الله، ألا وهو الاتحاد الوثيق مع بقية الجبهات في محور المقاومة، حيث إن أدوار حزب الله تجاوزت مفهوم المقاومة في حيّز جغرافي معين، إلى مفهوم رأس حربة دول محور المقاومة، وبالتالي فإن جميع الضغوطات التي تمارس على الحزب سواء من عقوبات اقتصادية أم تضييق سياسي أم عسكري، لن يواجهها الحزب وحده، وستكون جميع الجبهات مفتوحة على العدو في آن واحد، الأمر الذي يعزز من مناعة وقوة المقاومة.