الوقت- لا حدود لطبيعة العلاقة الجديدة التي يصنعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين السعودية والكيان الإسرائيلي، فالرئيس الأمريكي يسعى بكل ما يستطيع لكي يدخل التاريخ من أوسع أبوابه على أنّه "عرّاب" العلاقة بين السعودية التي تدّعي قيادتها للأمة العربية والإسلامية، والكيان الصهيوني الذي يشكّل خطراً على الأمة العربية والإسلامية.
ونحن لا ندّعي ولا نبالغ في هذا الإطار لكون الجميع يرى الآن كيف يسقط عشرات الشهداء الفلسطينيين أمام عدسات الكاميرات بالرصاص الحي الإسرائيلي، على خلفية افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، في حدث يعتبر خرقاً لكل المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة، واليوم تسير خطط ترامب على نحو جيد فيما يخصّ قتل الفلسطينيين وطمس هويتهم من جهة وإحداث تقارب بين السعودية و"إسرائيل" من جهة أخرى.
لماذا يريد ترامب النجاح لهذا التقارب؟!
عوّدتنا السياسة الأمريكية منذ نشأتها على إيجاد شرطي لها في المنطقة، يضمن لها تنفيذ خططها وسياستها دون الحاجة لبذل جهود كبيرة في هذا المجال، وقد كانت هذه المهمة ملقاة على عاتق شاه إيران محمد رضا بهلوي في السابق "شرطي الخليج"، وبعد سقوطه تولّت "إسرائيل" المهمة، واليوم لم تعد "إسرائيل" قادرة وحدها على القيام بها في شرق أوسط يغلي بالحروب والمشكلات وظهور تحالفات جديدة قوّضت السياسة الأمريكية في المنطقة كان أبرزها صعود نجم محور المقاومة والممانعة والذي التقت معه تركيا وروسيا في كثير من الملفات، لذلك كان لا بدّ من إيجاد سند للصهاينة في هذا الموضوع، ومن يستطيع أن ينجح بهذه المهمة أكثر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اللاهث إلى السلطة بكل ما أوتي من قوة.
ولكي يتم ذلك كان لا بدّ من مهاجمة كل من تركيا وإيران لسبب واحد وبطرق مختلفة، لذلك لم يبخل ابن سلمان بمهاجمة الاثنين بأشدّ العبارات لأجل كسب الرضا الأمريكي، فبالنسبة لتركيا هناك الكثير من الخلافات بينها وبين السعودية أظهرها ابن سلمان إلى العلن الشهر الماضي خلال زيارته إلى مصر، حيث صرّح حينها لوسائل إعلام مصرية بأنه: "يوجد ثالوث من الشر، ويضم تركيا وإيران والجماعات الإرهابية"، كما أوضح أن "تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها على المنطقة، بينما تريد إيران تصدير الثورة، والجماعات الإرهابية التي تحاصر الدول العربية".
كلام ابن سلمان يعود إلى ثلاثة خلافات جوهرية مع التركي، الخلاف الأول: هو قلق السعودي المتزايد من صعود نجم إيران وتركيا في العالم الإسلامي، وسعي الأخيرة بحسب رأي ابن سلمان لقيادة العالم الإسلامي وإعادة زمن السلطنة العثمانية، أما الثاني فهو الزيارات المكوكية التي قام بها الرئيس التركي إلى عدة دول، آخرها كانت زيارة قام بها إلى الجزائر عزّز من خلالها روابط بلاده الاقتصادية والعسكرية مع الزعيم بوتفليقة، وهذا ما أقلق ابن سلمان من أن يسحب أردوغان البساط من تحت قدميه، ويبرز الخلاف الثالث في موضوع العلاقة مع قطر التي أرسل إليها أردوغان 300 جندي عندما حاصرتها السعودية وفي مقابل ذلك اتجهت الرياض نحو تأليب الأكراد على تركيا وقدّمت لهم دعماً عبر سفيرها السابق عبدالله السبهان لكنها لم تؤتِ ثمارها.
أما إيران والتي تشكّل حجر عثرة في وجه المخططات الأمريكية - الإسرائيلية، تقلق هي الأخرى ابن سلمان لتأثيرها الكبير في إحباط خطط ترامب في كل من العراق وسوريا ولبنان، وهذا ما دفع ترامب إلى تحريض السعودية و"إسرائيل" عليها، لذلك وجدنا ترامب يخرج من الاتفاق النووي، ليتبع ذلك تصريحات نارية من زعماء الرياض وتل أبيب ضد إيران، حتى أصبح الأمر يتكرر بشكل يومي.
وعلى سبيل المثال انتقد البيت الأبيض الجمعة ما سماه "الأفعال المتهورة" لإيران، محذّراً من أنها تشكّل "تهديداً خطيراً" للاستقرار في الشرق الأوسط، وجاء انتقاد البيت الأبيض بعد أن اتهمت "إسرائيل" قوات إيرانية في سوريا بإطلاق 20 صاروخاً على الجزء الذي تحتله من هضبة الجولان، ما أدّى إلى ردّ "إسرائيلي" بشن غارات ضد مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا.
هذا الكلام وهذا النمط من التصريحات فسّره اليوم الضابط السابق في مجال مكافحة الإرهاب في الـ"سي آي إيه" جون كيرياكو، في مقال له نشره موقع "كونسورتيوم نيوز، وأبرز ما جاء فيه أن المبررات التي تقدّم اليوم لتبرير الحرب على إيران هي ذاتها التي قدّمها المحافظون الجدد ضد العراق عام 2003.
وقال كيرياكو: "أولاً، قال دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية عام 2016، وبشكل متكرر، إنه سيخرج من خطة العمل المشتركة الشاملة، وهو ما فعله يوم الثلاثاء، والتي تعرف أيضاً بصفقة العقوبات الإيرانية، وهي صفقة تسمح للمفتشين الدوليين بالتأكد من عدم تخصيب البلد لليورانيوم، وألّا يبني برامج أسلحة نووية، وفي المقابل تقوم الدول الغربية برفع العقوبات عن إيران، والسماح لها بشراء قطع الغيار والأدوية والأمور الأخرى، التي لم تكن قادرة على شرائها، ونجحت الاتفاقية رغم احتجاج المحافظين وغيرهم في أماكن أخرى، وبالتأكيد فنظام التفتيش هو ذاته الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق قبل عقدين".
ويرى الكاتب أن "ما يثير القلق هو التحالف الفعلي ضد إيران بين إسرائيل والسعودية والإمارات، وكان عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لما قال إنه مشروع إيران السرّي يشبه، وبشكل مخجل، عرض باول أمام مجلس الأمن في 15 شباط/ فبراير، والذي أخبر فيه العالم أن العراق لديه أسلحة، وكانت كذبة أيضاً".
في الخلاصة، أدركت أمريكا عدم قدرتها على إدارة ملفات الشرق الأوسط بالشكل السابق أو عبر الشرطي الإسرائيلي، في ظل ظهور قدرات إقليمية قوية مثل إيران وتركيا وبالتالي لا بدّ من الانتقال إلى أسلوب آخر وهذا ما يفسر الأمر.