الوقت- منذ تولي "أفيغدور ليبرمان" منصب وزير الدفاع الإسرائيلي في مايو/أيار 2016، لم يدّخر جهداً في إطلاق تصريحات ناريّة ضد العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، إذ من المعروف للجميع أنه "إذا أردت أن تزداد شعبيتك بين أفراد كيان الاحتلال عليك أن تبرز عداء أكبر ضد الفلسطينيين"، وهذا ما فهمه ليبرمان "القادم من مولدافيا التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي بعد تفككه" وعرف جيداً كيف يوظف هذا الأمر لمصلحته الشخصية.
ليبرمان ومن خلال تصريحاته وتصرفاته يعيد للأذهان حقباً تاريخية استلذ بها الإسرائيليون أيام ارئيل شارون، اسحاق شامير، مناحيم بيغن وديفيد بن غوريون، لذلك يجدون فيه منقذهم الذي سيجنّبهم "خطر الفلسطينيين"، خاصة أنه يتبّع سياسة متشددة جداً تجاه الفلسطينيين ويهددهم في كل مناسبة ويطلق عبارات رنانة تشبه تلك التي يطلقها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب للفت النظر وخلق حالة من الرعب في صفوف العدو وأمان في صفوف الحلفاء.
عرّاب الحلول
يحاول ليبرمان طمأنة الشارع الإسرائيلي عبر إطلاق تصريحات تناسب تطلعاتهم وطبيعة الصراع الدائر بينهم وبين الفلسطينيين منذ 70 عاماً، وفي الفترة الماضية أقلق الفلسطينيون راحة الإسرائيليين من خلال ابتكار طريقة جديدة أرهقت الجانب الإسرائيلي وسببت حرجاً كبيراً للمؤسسة العسكرية، تمثلت هذه الطريقة بتذييل طائرات ورقية بشعلٍ نارية، ومن ثم تحملها الرياح فوق المواقع العسكرية، والأحراش، والأعشاب الجافة، وبعد أن تصل المكان المُحدّد يفلتها الشبان، فتسقط على الأعشاب، وتتسبب بحرائق واسعة.
هذه الطائرات الورقية جاءت ردة فعل على الطريقة الهمجية التي عامل بها الصهاينة، الشباب الفلسطينيين في "مسيرة العودة"، حيث أظهر هؤلاء الشباب قدرة كبيرة على التحدي وعدم الرضوخ للضغوط الإسرائيلية والبروباغندا التي يصنعها مسؤولوها وعلى رأسهم ليبرمان لتخويف الفلسطينيين ومنعهم من الاقتراب من الحدّ الفاصل مع الإسرائيليين، ومع ذلك اقترب الشباب المقاوم وتحدّى رصاص الاحتلال وتهديدات ليبرمان الفضفاضة.
أما اليوم ونظراً لمدى التأثير الذي أحدثته الطائرات الورقية، خرج ليبرمان بتصريح بشّر من خلاله الصهاينة بأنه وجد حلّا للسلاح الجديد الذي يستخدمه الفلسطينيون في غزة، وقال ليبرمان:" لا أريد الخوض في التفاصيل الفنية، ولكن حقيقة، كان هناك أمس طائرة ورقية واحدة عبرت الحدود وليس هناك ضحايا، وجدنا حلاً لكل شيء، وسنجد لذلك أيضاً".
وبما أنّ موعد اقتراب افتتاح السفارة في القدس أصبح قريباً بدأ ليبرمان يمهّد لجمهور الصهاينة بأن جنوده حاضرون للتصدي لأي ردّة فعل تخرج عن الفلسطينيين، وكان واضحاً في تصريح ليبرمان أنه عاجز عن توقع أبعاد ردة الفعل أو كيف سيكون شكلها، لذلك وجدناه متريثاً في تصريحه لا يريد إطلاق أحكام مطلقة في هذا الخصوص، وقال في هذا السياق: "لا توجد وجبات مجانية فلكل حلم ثمن، وحلم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس سندفع ثمنه، ولكن دفع الثمن يساوي المناسبة، فقرار نقل السفارة أمر بالغ الأهمية"، وأضاف: "علينا أن نكون مستعدين لتداعيات نقل السفارة في 15 مايو، ستكون هناك محاولات لزعزعة الاحتفال، ونحن نستعدّ للتصدي لتلك المواجهات".
هناك أمر آخر يعتبر مهماً جداً بالنسبة للجانب الإسرائيلي يتمثل بـ "قضية الأسرى" الذين أسرهم الفلسطينيون في حرب غزة الأخيرة وعملية التبادل التي كان من المقرّر أن تجري منذ زمن ولم تحدث، ويعزى ذلك بشكل أو بآخر إلى ضعف المعلومات الأمنية الإسرائيلية عن عدد الأسرى وما إذا كانوا أحياءً أم أمواتاً.
ولكي يعالج ليبرمان هذه المعضلة بدأ يدفع الأمور باتجاه عقد صفقة تبادل، ولكن ليس بشروط صفقة "شاليط"، لكون الأجواء الحالية التي تعتري الحكومة الإسرائيلية تصعّب عليها أن تخضع لشروط الصفقة السابقة، لأن "إسرائيل" تعطي هذا الملف بعداً أمنياً، خاصة بعد انخراط عدد من الأسرى المحررين في العمل العسكري وهذا البعد له حساسية كبيرة جداً في "إسرائيل" على المستويين الشعبي والرسمي.
وما يدفع ليبرمان للقيام بهذه المهمة هو تحقيق مكاسب شخصية لنفسه ولحزبه "إسرائيل بيتنا" الذي تراجعت شعبيته وفق استطلاعات الرأي الإسرائيلية مؤخراً لعدم استعادة الجنود المحتجزين لدى المقاومة في غزة، وحين سأل مذيع إسرائيلي ليبرمان عن مصير "الأسرى الإسرائيليين" أجاب: " نحن لا نعلم إن كانوا جثثاً أم أحياء لكن يجب إنهاء القضية"، حتى اللحظة لا يعرف ليبرمان كيف له أن ينهي هذه القضية خاصةً أن هناك رفضاً شعبياً غير مسبوق لعقد صفقة جديدة بشروط صفقة "شاليط"، والملاحظ أن الضغط الشعبي، الذي كان قبل صفقة "شاليط" معدوم في الوقت الحالي بناءً على التجربة السابقة، لكن ما يعرفه ليبرمان جيداً أن عليه استغلال الموقف لمصلحته الشخصية قدر المستطاع علّه يحظى بمزيد من الشعبية بين صفوف الإسرائيليين.
في الختام؛ ليبرمان يتماهى إلى حدّ بعيد مع العقلية الصهيونية التي تدعو على تهجير الفلسطينيين من أرضهم وقتل ما يمكن قتله منهم، وليبرمان لم يخالف هذه الرؤى مطلقاً، بل أبدى تشدداً أكبر من الإسرائيليين أنفسهم حيال هذا الموضوع، إذ يعرف ليبرمان بمعاداته الشديدة لفلسطيني الداخل والتي بلغت حدّ دعوته في 2006 إلى قتل كل عضو عربي في الكنيست يجتمع مع أعضاء الحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس، ويُعرف وزير الدفاع ليبرمان بمواقفه الداعية إلى تهجير من لا يعترف بـ "إسرائيل" دولة يهودية صهيونية.