الوقت- ما حصل في مدينة عين العرب (كوباني) السورية مؤخراً نجم في الحقيقة عن سلسلة ظروف معقدة شاركت في صنعها عدة أطراف داخلية وخارجية في مقدمتها تركيا من خلال دعمها للجماعات الارهابية وفي مقدمتها تنظيم "داعش".
وعلى الرغم من ان "عين العين" المحاذية للحدود التركية ليست ذات مساحة جغرافية كبيرة، إلاّ ان الهجوم الاخير عليها من قبل عناصر "داعش" والذي أسفر عن مقتل 145 شخصا على الأقل، يمكن النظر اليه على انه يأتي في اطار مساعي أنقرة الرامية إلى تقوية نفوذ التنظيمات الارهابية في سوريا.
والشيء المثير للانتباه ان هجوم عناصر "داعش" على "عين العرب" وتمكن وحدات حماية الشعب الكردية من طردهم منها في وقت لاحق، حصل في وقت يسعى فيه حزب العمال الكردستاني التركي للاستفادة من الظروف السياسية التي نجمت عن هزيمة حزب العدالة والتنمية الذي يقوده رجب طيب اردوغان في الانتخابات الأخيرة لتقوية نفوذه في المنطقة بالتنسيق مع اكراد سوريا، الأمر الذي دعا قيادة اقليم كردستان العراق إلى تعزيز قواتها لمواجهة تداعيات هذه التطورات في وقت يعتقد فيه المراقبون أن رئيس الاقليم مسعود بارزاني يسعى إلى توظيف هذه الظروف والتحرك بإتجاه تفعيل مشروع إنفصال الاقليم عن الحكومة المركزية في بغداد في اطار المشروع الامريكي الرامي إلى تقسيم العراق.
وعلى الرغم من مزاعم تركيا بأنها لا تدعم التنظيمات الارهابية كشفت التطورات الميدانية الاخيرة في شمال سوريا أنها لا زالت تواصل دعمها لهذا التنظيمات التي منيت بهزائم متعددة على يد وحدات حماية الشعب الكردية في المناطق القريبة من الحدود التركية على وجه التحديد.
في هذه الاثناء ذكرت صحف تركية بينها صحيفة "حرييت" ان اردوغان ورئيس الوزراء احمد داود اوغلو طلبا خلال اجتماع أمني من رئاسة الاركان التدخل في سوريا بحجة حماية الحدود من تهديدات التنظيمات الارهابية، فيما اتهمت احزاب المعارضة حكومة اردوغان بدعم هذه التنظيمات والتستر على عناصر "داعش" داخل الاراضي التركية، محملة إياها مسؤولية ما حصل في "عين العرب"، واصفة في الوقت نفسه هروب "داعش" في تل الأبيض بأنه فرار للسياسة التركية.
كما اتهمت أحزاب كردية عراقية بينها حركة التغيير والاتحاد القومي الديمقراطي الكردستاني حكومة اردوغان بتقديم دعم لوجستي وتسهيل مرور ارهابيي "داعش" عبر الاراضي التركية.
وتجدر الاشارة إلى ان تحركات "داعش" الاخيرة في شمال سوريا جاءت عقب الهزائم التي مني بها هذا التنظيم الارهابي على يد قوات الجيش والحشد الشعبي في العراق وهروب الكثير من عناصره باتجاه مدينتي الرقة ودير الزور السوريتين.
في هذه الاثناء اعلنت مصادر عن مقتل وجرح عدد كبير من قيادات الفصائل الارهابية في استهداف سلاح الجو السوري لمقر قيادة ما يسمى "عاصفة الجنوب" في سجن غرز قرب الصوامع جنوب شرق درعا، فيما احكم الجيش السوري سيطرته على "تل الشيخ حسين" في اقصى الريف الشمالي لدرعا بعد اشتباكات كبد خلالها الارهابيين اكثر من ثلاثين قتيلا.
وفي ريف درعا الشرقي قتل وجرح عدد كبير من المسلحين بينهم شيشانيون عندما ضرب الجيش السوري هدفاً وصفته مصادر بالنوعي.
وحالياً يسود هدوء نسبي مختلف جبهات درعا بعد نجاح الجيش السوري بصد الهجوم الذي شنته الجماعات المسلحة على نقاطه، والذي ادى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المسلحين جرى إجلاؤهم فيما بعد إلى الأردن والكيان الإسرائيلي.
وزجت غرفة العمليات الاردنية السعودية الامريكية المشتركة "الموك" بألف مسلح من الألوية التي تعمل مع الاستخبارات الأردنية والأميركية في هذه المعركة دون إحراز أي تقدم في عاصمة حوران السورية.
ويبدو ان تركيا والسعودية وقطر ومن ورائهم امريكا وبعد أن فقدوا الامل بالمجموعات الارهابية والتكفيرية وخاصة "داعش" بأن تنفذ رغباتهم في سوريا، فكروا هذه المرة بدفع آلاف المسلحين الذين دربوهم في الاردن لإسقاط درعا؛ الهدف الذي جربوه أكثر من مرة لكنهم فشلوا في تحقيقه بعد ان تكبدوا خسائر كبيرة.