الوقت- لا نبالغ إذا قلنا بأن الناس في أرجاء مختلفة من عالمنا ومنذ بدايات القرن الماضي بدأت تعطي أهمية كبيرة لـ"نظرية المؤامرة"، وأصبح هذا المصطلح يخترق شعوباً بأكملها لتبرير حوادث معينة، قد تكون المعلومات حولها ضحلة وغير مفهومة، لذلك يأتي هذا المصطلح كالمخدر الذي يُسكّن آلام الشعوب ويواسيها في مصابها الذي حدث دون الحصول على معلومات كافية لسبب حدوثه.
ومنذ بداية القرن الواحد والعشرين بدأت هذه النظرية تأخذ ضجة كبيرة خاصة في الشرق الأوسط، بسبب تتالي الأحداث الكبيرة هناك من غزو العراق والعمليات الاستخباراتية وصولاً إلى ما يسمى "الربيع العربي" والفوضى التي حدثت في العالم العربي على إثر ذلك، وبالتالي كان لا بدّ من إيجاد مبرر لكل ما يحدث، وهذا ما دفع الكثيرين في الشرق لإرجاع ذلك إلى "نظرية المؤامرة".
طبعاً هذه النظرية مؤخراً أصبحت مدعاة للسخرية بين أبناء الجيل الجديد في العالم العربي، خاصة بعد أن مرت مرحلة كان يتم فيها ربط أي حدث بمنظمات سرية تقف وراءها مثل "الماسونية"، حتى أنهم بدؤوا يروجون أن الزعماء العرب على اختلاف عقائدهم ينتسبون لهذه المنظمة، وبعد ذلك ذهبت الأمور نحو مبالغة أكبر لدرجة أنهم أصبحوا ينشرون أخباراً عن أن هذه المنظمات تعرف كل شيء عنك وكل شيء تفعله، وأنهم يتحكمون بك عن طريق اللاوعي ويزرعون برأسك أفكاراً يسيطرون بها على سلوكك لدرجة أنهم يستطيعون أن يجبروك على شراء منتج دون غيره.
ولكي لا نبالغ نحن أيضاً ونقول إن هذه النظرية غير موجودة، نحن نعتقد بأنها موجودة ولكن بشكل نسبي، ويتم تشويهها وخلط الأمور لدرجة أنك لا تستطيع معرفة إن كان ما يجري مؤامرة أم لا، تم العمل على إرجاع كل شيء لهذه النظرية وبالتالي لا يمكنك الجزم بأن الذي يحدث هو كذلك بالفعل أم إن هناك أيادٍ خارجية تقف خلفه.
طبعاً الاعتقاد بنظرية المؤامرة ليس حكراً على العرب، فقد بدأت تنتشر هذه الظاهرة في أمريكا بشكل كبير جداً، خاصة بعد قدوم الرئيس الحالي دونالد ترامب إلى رأس السلطة، وكان من اللافت جداً أن حملة ترامب الانتخابية بُنيت على أساس "نظرية المؤامرة"، حيث تم العمل على ترويج فكرة أن أمريكا تتعرض لمؤامرة من الخارج، وقد تراجعت بسبب ذلك، وكان ترامب يقول حينها : "انظروا إلى البلاد الأخرى وانظروا إلى أمريكا.. نحن نعيش في مأساة".
وخلال فترة السباق الرئاسي في الولايات المتحدة بدأ الخصوم يكيلون لبعضهم البعض التهم، لدرجة اتهام الآخر بالخيانة والتعامل مع دول أجنبية للفوز والإطاحة بالخصم، وخلال تلك المرحلة اتهمت المرشحة هيلاري كلينتون، رئيس مكتب المباحث الفيدرالية الأمريكية FBI، جيمس كومي، بأنه وراء إسقاطها، وتم اتهام كومي من قبل الديمقراطيين بأنه متعاطف مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وجرى الحديث حينها بأن روسيا تنفذ مؤامرة ضد الحزب الديمقراطي أو ضد أمريكا بأكملها، وانتشرت فكرة المؤامرة الروسية على أمريكا بشكل لا يصدق وحتى اللحظة لا يزال صداها يدوي في البيت الأبيض.
ماذا يجري في واشنطن.. حالياً؟!
منذ حوالي اليومين خرج علينا الخبير الأمريكي في شؤون السياسة الخارجية لواشنطن "دانييل ماك آدمز" ليؤكد أن حكومة أمريكا تخفي الحقائق وتسعى لإزالة أصوات أولئك الذين يقولون الحقيقة حول السياسة الخارجية الأمريكية، الأمر الذي يؤكّد زيف ما تزعمه أمريكا بأنها دولة الديمقراطيات والحرية.
وفي مقابلة له مع "جيمس كوربيت" مقدم قناة تابعة لشركة "رون بول"، أشار "ماك آدمز" إلى سياسات الحكومة الأمريكية وخاصة وزارة الخارجية في قمع معارضي الحكومة والأصوات التي تكشف حقيقة ما يحصل، قائلاً: إن وزارة الخارجية الأمريكية تضخ الملايين من الدولارات لمواجهة الإعلانات الروسية والصينية المناوئة لواشنطن.
يقول الخبير الأمريكي هذه هي الحقيقة، إلا أن واشنطن تزيّفها وتدّعي أن هذه الأموال خصّصت بالفعل لمحاربة القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى داخل البلاد. يبدو أ، مخطط الخارجية الأمريكية جليٌّ للعيان، بحسب الخبير في الشؤون الأمريكية، حيث يؤكد أن سلطات واشنطن تقوم بتلبيس الشخص أو وسيلة الإعلام التي تنتقد بشكل حاسم سياسات الدولة ووزارة الخارجية الأمريكية تهمة الترويج للإعلانات الروسية والصينية وتستهدفه بطرق مختلفة. وقد تضرّ بمصداقيته أو ترفع قضية ضده أو حتى تتهمه بالإرهاب.
هذا الكلام يظهر لنا كيف تستخدم أو تستفيد الإدارة الجديدة في البيت الأبيض من "نظرية المؤامرة" وتطوعها لخدمة مصالحها، وهذا الكلام ليس غريباً على ترامب الذي اعتمد على أشخاص محددين لتسويق هذه النظيرة قبيل قدومه إلى البيت الأبيض، وقد نجح بترويجيها داخل المجتمع الأمريكي، ولكي نثبت لكم ذلك ابحثوا عن رجل يدعى "أليكس جونز"، الصديق الحميم لترامب والذي لعب دوراً مشابهاً لوزير الدعاية أيام هتلر " باول يوزف غوبلز".