الوقت- "محمد بن سلمان مجرم حرب" بهذه العبارة استقبل عدد كبير من المواطنين البريطانيين ولي العهد القادم من أرض الفراعنة، محتجين على زيارته التي بدأت يوم الأربعاء الماضي واستمرت لمدة 3 أيام، وفي مقابل ذلك كانت هناك عبارات أخرى ترحب بالأمير الشاب، حيث أُطلقت في العاصمة البريطانية "لندن" حملة دعائية مهّدت لاستقبال ابن سلمان عبر الصحف واللافتات الإشهارية بتمويل سعودي وصل إلى مليون جنيه إسترليني أي ما يعادل 1.12 مليون يورو على الحملة الدعاية بأكملها.
وخلال الزيارة التقى ولي العهد بملكة بريطانيا إليزابيث، ثم رئيسة الوزراء البريطانية ماي، وكان "المال" بأشكاله المختلفة طاغياً على الزيارة بجوانبها المختلفة ابتداءً من الحملة الإعلامية التي نُظمت للتغطية على الاحتجاجات غير المسبوقة لزيارة ابن سلمان والتي كان لها السبب الرئيس في تأجيل الزيارة إلى لندن والتي كانت مقررة في الفترة بين بداية شهر كانون الثاني/ يناير وبداية شباط/ فبراير الماضي، وصولاً إلى الاتفاقيات والخطط التجارية الاستثمارية والتي وصلت إلى 90 مليار دولار، بحسب مصادر إعلامية بريطانية.
والسؤال؛ هل المال هو السبب الرئيسي في تخلي بريطانيا عن جميع المبادئ الدولية والأخلاقية، ولماذا كل هذه المغازلة البريطانية للسعودية والتستر على كل الجرائم والانتهاكات الإنسانية التي تقوم بها الأخيرة؟!، وما هي المصالح التي تجمع البلدين في هذه المرحلة وماذا يريد كل منهما؟!.
ماذا تريد السعودية من بريطانيا؟!
أولاً: السعودية متورطة حتى أخمص قدميها في حرب على جارتها "اليمن" منذ 3 سنوات ولا تعرف حتى اللحظة لماذا دخلت هذه الحرب وماذا كانت تريد منها، وفي حال كانت تريد شيئاً غير قتل الأطفال وتهجير الناس من بيوتها وتدمير البنى التحتية فهي لم تحصل عليه، والجميع أصبح يعلم أنها عاجزة عن تحقيق أي نصر في تلك البلاد المليئة بروح المقاومة والعزة بالرغم من كل ما حلّ بها من آلات القتل السعودية.
واليوم تحمل الزيارة إلى المملكة المتحدة في طياتها طلباً ضمنياً من ابن سلمان بإنقاذ المملكة من وحل اليمن مهما كلف الثمن وتبييض صورتها أمام المنظمات الحقوقية والإنسانية التي طالبت بإلغاء زيارة ابن سلمان للبلاد، وبالتالي فإن ابن سلمان يسعى للحصول على كفالات من المملكة المتحدة ودفعها لاستخدام كامل ثقلها في هذا الملف الشائك.
ثانياً: بريطانيا وعلى المستوى الحكومي تتستر على جرائم ابن سلمان في اليمن خدمةً لمصالحها الاقتصادية التي يشكل بيع السلاح جزءاً مهماً منها، لذلك لن تتوانى المملكة المتحدة في مساعدة ابن سلمان للحصول على أكبر قدر ممكن من السلاح البريطاني عبر عقد صفقات أسلحة ضخمة وقد ترجم هذا في الزيارة الأخيرة من خلال التوقيع على اتفاق مبدئي يؤكد شراء السعودية 48 مقاتلة "تايفون" من المملكة المتحدة.
ثالثاً: بالرغم من المحاولات البريطانية الحثيثة لتلميع صورة ابن سلمان في العالم عبر حملات دعائية وإعلامية شاركت فيها كبرى الصحف البريطانية، إلا أن ذلك لم يجدِ نفعاً في التغطية على انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارس يومياً في السعودية، من خلال حملات الاعتقال التعسفي ضد نشطاء سياسيين وعلماء دين إصلاحيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان، حتى إن الإعدامات تضاعفت في السعودية في الأشهر الست الأخيرة، بحسب وزيرة خارجية الظل البريطانية، إيميلي ثورنبي، ولا تنشر السعودية إحصائيات رسمية عن الإعدامات التي تنفذها، ولكن وسائل الإعلام الرسمية تتحدث عنها.
واستندت الوزيرة في حوارها مع برنامج "توداي" على راديو بي بي سي 4 إلى إحصاءات منظمة "ريبريف"، وهي مؤسسة حقوقية تتخذ لندن مقراً لها، واعتمدت في ذلك على تقارير وسائل الإعلام الرسمية عن الإعدامات.
وقد طالبت العديد من الصحف مثل الغارديان في افتتاحيتها الخميس الماضي لدعوة الحكومة للنظر في السجل الحقوقي لابن سلمان، مؤكدة أن بريطانيا يجب أن تتكلم عن هذا الملف بشكل واضح، و"ألّا تبيع قيمها"، حسب الصحيفة، ولكن لا يبدو أن الأمر كذلك، فقد عملت المملكة المتحدة على تبييض صورة ولي العهد بدلاً من الاحتجاج على انتهاكاته المتكررة لحقوق الإنسان داخل البلاد وخارجها.
ماذا تريد بريطانيا من السعودية؟!
أولاً: قال محمد بن سلمان إنه بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستكون هناك فرص استثمارية ضخمة لبريطانيا في المملكة العربية السعودية، هذا الكلام يقودنا إلى أن ابن سلمان يعرف تمام المعرفة بأن بريطانيا تحتاج بلاده لتعويض الخسارة الفادحة التي لحقت بها نتيجة خروجها من الاتحاد الأوروبي، لذلك هو لا يأبه كثيراً باستغلال مكانة بريطانيا العالمية وقدراتها وإمكانياتها في التستر على كل الانتهاكات التي يقوم بها، لأنه يعلم مدى حاجة المملكة المتحدة للريالات السعودية.
ثانياً: يعتبر الاقتصاد أهم ما في العلاقات السعودية البريطانية، ويصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 17 مليار ريال، وهناك 374 ترخيصاً استثمارياً بريطانيا في السعودية برأس مال إجمالي قدره 3.4 مليارات دولار، واتفقت الرياض ولندن على خطة تجارية استثمارية تقدر بنحو 90 مليار دولار خلال الزيارة الأخيرة لـ"ابن سلمان"، وأكدت ماي لمحمد بن سلمان أنها ستهيىء منصة جديدة لتقوية العلاقات بين البلدين، وقالت بريطانيا في بيان رسمي إن العلاقة بين السعودية وبريطانيا دخلت مرحلة جديدة مع زيارة ولي العهد السعودي إلى لندن.
ثالثاً: لا تملك بريطانيا سوقاً لتصريف الأسلحة كالذي تؤمنه لها السعودية، فالأخيرة توقع عقوداً بمليارات الدولارات مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لكي تضمن الحماية لنفسها، في مقابل ذلك تراها لندن وواشنطن بقرة حلوب تدر عليها المال وتنقذها من خسائرها الاقتصادية الفادحة وفي نفس الوقت تضمن لها زعزعة مستمرة في المنطقة وبالتالي المزيد من المال وبيع السلاح والبحبوحة الاقتصادية؟