الوقت- إذا كان الجزاء من جنس العمل؛ فإنّ مُحضّر الإرهاب لا بدّ له من تذوقه، غير أنّ الفرق بين مُحضري الإرهاب العرب والغرب، أنّ الأخير يستطيع إدارة هذا الإرهاب والاستفادة منه بما يخدم مصلحته، في حين أنّ العرب يخلقون الإرهاب وبعد ذلك يتسمّرون أمامه فاغري أفواههم عاجزين عن الإتيان بأي حركة غير الشجب والتنديد، غير أنّهم وعلى المقلب الآخر؛ وبعلمٍ أو بدون علم؛ يُتابعون صناعته في مدارسهم وشوارعهم وبيوتهم وبات جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليوميّة.
الجزاء من جنس العمل
قديماً قال العرب إنّ كل ما يفعله الإنسان سيُردّ إليه يوماً، وهذا بالضبط ما يحدث هذه الأيام، فالسعودية وعددٌ آخر من الدول الخليجية التي شاركت وبفعالية بصناعة الإرهاب منذ ثمانينيات القرن الماضي بدعم وتشجيع من الولايات المتحدة ولا سيما في أفغانستان وباكستان، باتت وبعد حين حبيسة هذا الإرهاب، وبات هذا الإرهاب ينقلب على تلك الدول ويضربها الواحدة تلو الأخرى، ولسنا هنا بصدد ذكر الهجمات الإرهابية التي تعرّضت لها تلك الدول، بل تكفي الإشارة إلى أنّ أغلبية العناصر الإرهابية خرجت من تلك الدول.
دولة "الخرافة" الإسلامية لم تأتِ من المريخ، بل خرجت من المناهج التعليميّة التي أقرّتها تلك الدول ولا سيما السعودية، حيث تستمد تلك المناهج أفكارها من كتاب "التوحيد" الذي صاغه "محمد بن عبد الوهاب"، لتصبح الأجيال التي تخرّجت على يد هذا المنهج قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أيِّ مكانٍ وزمان، ويتحول هذا الكتاب بالإضافة لكونه كتاباً دراسياً؛ إلى ثقافةً شعبيّة عامة، تُمارس في المنزل والشارع والدوائر الحكومية والأسواق.
استفاقة متأخرة
كثيرةٌ هي الإجراءات التي يحاول السعوديون العمل بها للحدّ من تأثير هذا الإرهاب عليهم، غير أنّ الثقافة الشعبية المترسخة في المجتمع السعودي ستحدُّ من أيّ إجراءات، فقرار السماح بقيادة المرأة للسيارات أو السماح لهنّ بدخول الملاعب الرياضة وإجراء الحفلات الموسيقية لم تتم مواجهته من قبل علماء السلطان بل على العكس باركوا تلك الخطوات بعد أن كانوا من أشد الرافضين لها؛ في حين تمّت مواجهة تلك القرارات من قبل المجتمع ذاته؛ فالثقافة الوهابية مترسخة في اللاوعي الجمعي للمجتمع السعودي، كما أنّها لا تقتصر على الدين وحسب، بل تمتّد إلى جميع نواحي الحياة اليومية.
أكثر من ذلك فإنّ ادعاءات المملكة بمحاربة الإرهاب رافقها دعمٌ كبير بمناطق مختلفة من العالم، وما داعش وإخوتها من باقي المجموعات الإرهابية إلّا مثالاً واضحاً على ذلك الدعم، خصوصاً بعد افتضاح أمر الخطّة السرية التي كانت السعودية تعمل عليها والهادفة إلى نقل عناصر داعش من العراق بعد هزيمتهم، إلى جبال ومغاور أفغانستان ليتم الاستفادة منهم مرّة أخرى، متناسيةً أنّ عناصر هذا التنظيم أغلبهم من أبناء السعودية الذين تربّوا على منهج الوهابيّة، وإنّهم سيعودون يوماً إلى المملكة ويعيثون فيها فساداً، كما أنّ مسألة عودتهم ليست إلا مسألة وقت.
موضة الإرهاب
محاربة الإرهاب؛ هي آخر ما تفتقت عنه أذهان سياسيي العديد من الدول، لتصبح محاربة الإرهاب هي الموضة السائدة هذه الأيام، وتماشياً مع توجّه الدول، رفعت أغلب الدول العربية راية محاربة الإرهاب، غير أنّ الواقع على الأرض يقول غير ذلك، فأغلب تلك الدول لا تمتلك البنيّة الثقافية والاجتماعية أولاً لمحاربة هذا الوباء، وثانياً هي لا تمتلك الوسائل اللازمة والمعدات الضرورية لمحاربته، ناهيك عن غياب أيّ استراتيجية واضحة لمحاربته.
فمصر على سبيل المثال تحاول ومنذ أعوام استئصال الإرهاب المنتشر في شبه جزيرة سيناء، ومع أنّ الجيش المصري من أقوى الجيوش العربية، غير أنّه يقف عاجزاً أمام انتشار الإرهاب هناك، كما يعزو خبراء عدم قدرة الجيش المصري على إنهاء الإرهاب هناك إلى غياب التجربة الفعلية في مواجهته.
أما في السعودية فيصدق عليهم المثل القائل "أسمع جعجعةً ولا أرى طحيناً"، فمحاربة الإرهاب لا تُسمع إلّا في وسائل الإعلام، وما تشكيل "التحالف الإسلامي" قبل عامين إلا نوع من تلك الجعجعة، فأحد لم يرَ محاربة السعودية للإرهاب، بل أكثر من ذلك عملت هي نفسها على الترويج له ودعمه في اليمن من خلال دعم المنظمات الإرهابية هناك.
وفي سوريا، وبعد أكثر من سبعِ سنوات تمكّن الجيش السوري من القضاء على الإرهاب بشكلٍ شبه نهائي، فقد بات خبيراً في التعامل معه، ناهيك عن كم المعلومات الهائل الذي حصلت عليه سوريا بعد هذه السنوات من العمل ضدّ الإرهاب، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من أجهزة الاستخبارات الغربية للتواصل مع السوريين في محاولة للاستفادة من تلك المعلومات، وتأتي زيارة رئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك إلى إيطاليا في هذا السياق.
وختاماً... إنّ الدول الغربية التي شكّلت منذ أعوامٍ قليلة تحالفاً دولياً لمحاربة الإرهاب، تعلم جيّداً أنّ حلفها هذا الذي تقوده واشنطن ليس أكثر من أداة للضغط على الدول هذا من ناحية، وبذريعة محاربة الإرهاب تحتل أمريكا اليوم أماكن شاسعة من الأراضي السورية والحجة أيضاً هي محاربة الإرهاب، ومن ناحيةً أخرى بات الجميع يعلم أنّ عناصر داعش المُنهزمين في سوريا تمّ نقلهم على متنِ طائرات أمريكية إلى أفغانستان، ليتم استغلالهم لاحقاً في أماكن أخرى من العالم.