الوقت - يوماً بعد آخر يتكشف للعلن المزيد من قضايا الفساد التي تضرب وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) من داخلها أو باقي وكالات الاستخبارات الموجودة في أمريكا كوكالة الأمن القومي (NSA)، ويؤكد مراقبون أنّ (ادوارد سنودن) لم يكن أوّل ولا آخر المسربين لوثائق الوكالة، الأمر الذي دفع وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات بهدف الحد من حوادث تسريب الوثائق، غير أنّ أحداً لا يعلم إن كانت هذه الإجراءات ستؤتي أُكلها؛ أم أن الفساد الذي يُعشعش في أروقة تلك الوكالات بات عصياً على أي إجراءاتٍ أن تنهيهِ أو تحدَّ منه على أقل تقدير.
فاضح أسرار أمريكا
عند ذكر أسرار الاستخبارات الأمريكية المفضوحة؛ لابدّ من الحديث عن "ادوارد سنودن" وهو المحلل السابق للمعلومات لدى "سي أي إيه" ومسؤول النُظم بمنشأة تتبع وكالة الأمن القومي الأمريكية، حيث وصف الضابط السابق للمخابرات الأمريكية (CIA) "روبرت بير" أن تسريب الوثائق من قِبل سنودن يُعتبر أسوأ كارثة تجسس عانى منها الغرب على الإطلاق، مُحذراً في الوقت ذاته من أنّ الدول الأجنبية من الممكن أن تحصل على رموز تشفير لمعلومات الأمريكية والبريطانية المخترقة، وهو ما يعني بحسب قوله إن تلك الدول تستطيع الوصول لمكالمات سرية استخباراتية وعسكرية.
تسريب الوثائق من قِبل سنودن؛ أجبر واشنطن على سحب عُملائها من مختلف العالم، حيث يقول بير: "إذا كنا سنغلق المحطات ونسحب العملاء، فلا أستطيع أن أُحدد ما الذي سيجري؛ لا أستطيع تحديد مدى سوء ذلك"، هذا السوء الذي تحدث عنه بير بدا واضحاً في التعامل مع تنظيم داعش الإرهابي، حيث يقول النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، مايكل موريل، في كتاب له: "في غضون أسابيع من التسريبات، بدأت التنظيمات الإرهابية في تعديل تحركاتها في ضوء ما كشف عنه سنودن، فاختفت مصادر مراقبة المعلومات، وتغيّرت التكتيكات".
شركاء سنودن
العملية التي قام بها سنودن لقيت إعجاب عدد من عملاء المخابرات الأمريكية؛ ليبدأوا بعدها بتزويد سنودن بمعلومات ووثائق إضافة خاصة بوكالات الاستخبارات الأمريكية، حيث وصفت هذه العملية بأكبر عملية تسريب لأوراق خاصة شديدة الحساسية، وتشمل أكثر من ثمانية آلاف وسبعمائة من الوثائق والملفات المخزنة في الشبكة الداخلية المعزولة لمركز الاستخبارات الالكتروني، داخل مقر وكالة الاستخبارات المركزية.
وبعد عملية التسريب الكبيرة هذه؛ قالت الـ (CIA) بأن "عمليات اصطياد بحثاً عن الخائن داخل وكالة المخابرات المركزية قد بدأت"، وتابعت: "الوكالة ومكتب التحقيقات الفدرالي أجريا تحريات وتحقيقات مشتركة لكشف واحدة من أكبر عمليات تسريب معلومات سرية من داخل الوكالة، بعدما تمّ الكشف عن الآلاف من الوثائق السرية التي تفضح الأدوات التي تستخدمها الوكالة للتجسس على الهواتف الذكية وأجهزة التلفاز وأنظمة الكمبيوتر".
هدف عملية المطاردة هذه وكما أكدت الـ (CIA) هو أي موظف أو متعاقد مع وكالة الاستخبارات المركزية كان بإمكانه الوصول الفعلي إلى محتوى الوثائق المسرّبة، مشيرةً إلى أنّ معظم الوثائق التي تمّ تسريبها لموقع "ويكيليكس" –يملكه ويديره ادوارد سنودن- كانت مخزنة في قسم سري للغاية داخل مقر الـ (CIA)، غير أنّ الوصول إلى هذا القسم وكما تقول الـ (CIA) كان متاحا لمئات الأشخاص فقط، لذلك يدرس المحققون قائمة أسماء طويلة.
مُجبرون على التجسس
يؤكد مراقبون للحالة الأمريكية أنّ موظفي وعُملاء وكالات الاستخبارات باتوا مُجبرين على عملية التجسس ضد تلك الوكالات بعد أن ذهبت شكاويهم المُقدمة ضد ممارسات تلك الوكالات أدراج الرياح، حيث كشف موقع "ديلي بيست" الأمريكي عن أن وكالة الـ (CIA)، أوقفت تحقيقاً العام الماضي يكشف قضايا تتعلق بالانتقام من كاشفي المخالفات المُرتكبة للوكالة المذكورة، وأدت هذه الخطوة وحسب الموقع إلى إلغاء نتائج التحقيق الذي أكد على أن وكالات الاستخبارات، ومنها الـ (CIA) و(NSA)، فشلت في حماية العاملين في مجال الاستخبارات ممن يُبلغون عن تزوير أو انتهاكات أو أي سلوك إجرامي في تلك الوكالات.
وأضاف الموقع أنّ المحققين بحثوا 190 حالة من الانتقام المزعوم داخل ست وكالات، ليكتشفوا حالات صادمة من التعامل مع المُبلِّغين، ففي إحدى هذه الحالات كانت النتيجة لصالح المُبلٍّغ، واستغرقت القضية 720 يوماً لتكتمل، بينما ظلت القضايا الأخرى مفتوحة، ففي إحدى الشكاوى المقدمة في 2010، ما زال الشاكي في انتظار الحكم، ويؤكد الموقع أنّ حكم مفتشي الاستخبارات مراراً وتكرارا قضى بأن الوكالة كانت على حق، وأن المبلغين كانوا دائماً مخطئين تقريباً.
تجدر الإشارة إلى أنّ عمليات تسريب المعلومات من وكالات الاستخبارات الأمريكية تهدف وكما يقول متابعون ومراقبون إلى الكشف عن عمليات المراقبة غير القانونية التي تقوم بها تلك الوكالات، والتي من شأنها التجسس على الحياة الشخصية للأفراد ليس في الولايات المتحدة وحسب، بل تتعداه إلى مواطنين من الدول الأخرى، وآخر ما تمّ الكشف عنه هو تجسس تلك الوكالات على 35 رئيساً ورئيس حكومة حول العالم.