الوقت - تحظى نيجيريا بأهمية خاصة في القارة الأفريقية لعدّة أسباب بينها موقعها الجغرافي الاستراتيجي على المحيط الأطلسي وخليج غينيا، وكثافتها السكّانية العالية، حيث يصل مجموع السكّان فيها إلى حدود 170 مليون نسمة، وهي ثالث أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في العالم.
وما يميّز هذا البلد هو التنوع العرقي والطائفي، والذي أدى في كثير من الأحيان إلى حصول مشاكل بين هذه المكوّنات بسبب الخلافات القومية والمذهبية.
وانتشر الإسلام في نيجيريا منذ القرن الأول الهجري عن طريق التجار المسلمين الذين قدموا إليها من شمال القارة الأفريقية. وتحوّل هذا البلد بمرور الزمن إلى مركز معنوي وروحي في عموم القارة. وقد لعبت الدولتان "الإدريسية" و"الفاطمية" اللتان حكمتا شمال أفريقيا خلال القرون الأولى للدعوة الإسلامية دوراً بارزاً في هذا المجال.
تاريخ الشيعة في نيجيريا
يعتنق الكثير من سكّان نيجيريا المذهب الشيعي الموالي لأهل بيت النبي الأكرم محمد "ص". ويمكن تقسيم تاريخ الشيعة في هذا البلد إلى ثلاث مراحل:
الأولى: قبل عام 1994 حيث لم يتجاوز عدد الشيعة في ذلك الوقت الـ 500 ألف شخص، وكانوا يعيشون بشكل أقليّة.
الثانية: بعد عام 1994 عندما تشكلت الحركة الإسلامية التي كانت متأثرة بجماعة الإخوان المسلمين، وقد اعتنق أعضاء الحركة المذهب الشيعي ونجحوا فيما بعد بنشر التشيع في دول أخرى بالقارة الأفريقية.
المرحلة الثالثة: بدأت بعد عام 1999 عندما انتشر التشيع بشكل واسع في نيجيريا وعموم القارة الأفريقية نتيجة الصحوة الإسلامية التي عمّت القارة في ذلك الوقت. ويبلغ عدد الشيعة في نيجريا في الوقت الحاضر أكثر من 7 ملايين شخص.
العوامل التي ساعدت على انتشار التشيع في نيجيريا
يمكن تلخيص هذه العوامل بما يلي:
- الدور الذي لعبته طائفة "الخوجة" في نشر التشيع في هذا البلد منذ عام 1980. وكان عدد هذه الطائفة لايتجاوز الـ 5 آلاف شخص في ذلك الوقت.
- الدور الذي لعبته شيعة لبنان في نشر التشيع في نيجيريا ودول أفريقية أخرى. وبدأ هذا الدور في عام 1991 عندما هاجر الكثير من الشيعة اللبنانيين من مدينة "لاغوس" إلى العاصمة النيجيرية "أبوجا".
- الفرق الصوفية كالتيجانية والقادرية التي يكّن أتباعها احتراماً خاصاً لأهل البيت عليهم السلام وأحفاد الأئمة المدفونين في نيجيريا الذين يُطلق عليهم اسم الشرفاء، وهم يحظون بتقدير كبير في أوساط المسلمين في هذا البلد.
- الدور المتميز الذي لعبه التجّار الشيعة في نشر التشيع في نيجيريا ودول أفريقية أخرى بينها أوغندا وزامبيا، حيث تأثر الكثير من سكّان هذه البلدان بالأخلاق الحسنة لهؤلاء التجّار.
الزعيم الروحي للشيعة في نيجيريا
يعتبر الشيخ إبراهيم الزكزاكي المولود في عام 1953 بمدينة "زاريا" الزعيم الروحي للشيعة في نيجيريا. ويطلق على زاريا الواقعة في شمال نيجيريا أيضاً اسم "زكزكو". والشيخ الزكزاكي كان في الأصل من أتباع المذهب المالكي أحد المذاهب الأربعة المعروفة لدى المسلمين السنّة قبل أن يعتنق المذهب الشيعي، وهو حاصل على شهادات متعددة في العلوم السياسية والاقتصادية.
وقد شكّل الشيخ الزكزاكي "الحركة الإسلامية في نيجيريا" واعتقل عدّة مرات في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من قبل السلطات في هذا البلد بسبب نشاطه الإسلامي، خصوصاً في أوساط الطلبة الجامعيين.
وقبل ذلك وتحديداً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الإمام الخميني "رض" تأثر الشيخ الزكزاكي وأنصاره بمبادئ وقيم وأهداف هذه الثورة. ولعب الزكزاكي دوراً مهماً في حفظ وحدة الشعب النيجيري بشكل عام والمسلمين في هذا البلد بشكل خاص.
ونتيجة لنشاطه البارز والمؤثر تعرض الشيخ الزكزاكي وأنصاره إلى هجمات متعددة من قبل الجماعات الوهابية والسلفية المتطرفة في عام 2014 ما أدى إلى استشهاد ثلاثة من أبنائه والكثير من أتباعه عندما أطلقت الشرطة النيجيرية النار على المشاركين في مسيرة يوم القدس العالمي.
كما تعرض منزل الشيخ الزكزاكي وحسينيته إلى هجوم من قبل الجيش النيجيري أثناء إحياء مراسم ولادة الرسول الأكرم (ص) في كانون الأول/ديسمبر عام 2015 ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة واعتقاله واستشهاد عدد من أتباعه بينهم الكثير من النساء والأطفال.
وبعد عام على اعتقاله ورغم تبرئته من قبل المحكمة العليا في نيجيريا رفض الجيش في هذا البلد إطلاق سراحه.
وكان للحركة الإسلامية في نيجيريا التي يتزعمها الزكزاكي دوراً مهماً في تطوير الجوانب الثقافية والاجتماعية والتعليمية وإنشاء العديد من المؤسسات الخيرية والطبية لرعاية الأيتام والأرامل في هذا البلد.
ومن هذه المؤسسات:
- مؤسسة الشهداء التي تأسست عام 1992 في مدينة زاريا وهدفها تقديم الخدمات لأبناء الشهداء والأيتام والأرامل.
- مؤسسة الزهراء الخيرية التي تأسست عام 2010 وهدفها تقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية مثل حفر الآبار ومد أنابيب المياه ودعم المحتاجين والسعي للإفراج عن السجناء.
وبسبب التدخلات السعودية والإسرائيلية تعرضت الحركة الإسلامية في نيجيريا لمضايقات كثيرة، ووصل الأمر إلى إطلاق النار من قبل الجيش النيجيري على أنصار هذه الحركة خلال إقامة مراسم عزاء أربعينية الإمام الحسين "عليه السلام" في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016 بمدينة "كانو"، ما أدى إلى استشهاد مئة منهم على الأقل وجرح عدد كبير برصاص الجيش والشرطة.
وبعد قتل الجيش النيجيري للمئات من الشيعة في زاريا اتصل الملك السعودي "سلمان بن عبد العزيز" هاتفياً برئيس هذا البلد ليعلن دعمه له، في حين أدانت المنظمات الحقوقية والقانونية الدولية هذه المجزرة ووصفتها بأنها جريمة ضد الإنسانية.