الوقت- تُعد الأسرة إحدى اهم المؤسسات الاجتماعية التي لها دوراً فعَال في بناء المجتمع وواحدة من اهم الأماكن المقدسة في هذه الحياة التي تتفق البشرية جمعاء على أهمية الحفاظ عليها وهنا يذكر الكثير من علماء الاجتماع أن المرحلة الأولى لبناء مجتمع متماسك وقوي، هي تشكيل "أسرة" ويرى هؤلاء العلماء أيضا بأن المجتمع الذي لديه الكثير من الأسر الملتزمة والصالحة، يمكن أن يُطلق عليه "مجتمع ملتزم وصالح" وعلى الرغم من أن "الأسرة" هي المركز الذي يعمل على تطوير وغرس الأخلاق والروحانية عند الأطفال، إلا أن هذا المفهوم القيم للأسرة لم يُعمل به ولم يراعى في بعض المجتمعات وبهذا أصبحت بعض الأسر مكاناً خطيراً على امن وسلامة الأطفال واصبح المجتمع كله مريضاً يفتقر إلى القيم الأخلاقية وينعدم فيه الأمن والأمان.
ويعد "العنف الجنسي" واحداً من تلك الأشياء التي تهدد أمن وسلامة الأسرة وهنا يمكن القول بأن حالات الاغتصاب والسفاح الأسري التي تحدث في بعض المجتمعات الغربية والتي يقوم بها الأب أو الأخ تُعد مثالاً واضحاً على ذلك العنف الجنسي الذي تتعرض لها الكثير من الفتيات في تلك المجتمعات والذي يكون له في الغالب عواقب سلبية جدا على تلك الشريحة من الفتيات البريئات ويرى بعض المتخصصين بأن هذا النوع من "العنف الجنسي" المتفشي في بعض البلدان يعمل على نخر وهدم القاعدة الاجتماعية في تلك المجتمعات.
الاغتصاب والسفاح الأسري الذي يقوم به الأب أو الأخ يُعد أدنى نوع من "العنف الجنسي" الذي تتعرض له الكثير من الفتيات في بعض الأسر والذي له الكثير من العواقب النفسية السلبية على أولئك الضحايا.
تجدر الإشارة هنا بأن السبب الأساسي والأهم لانحطاط القيم الأسرية في الغرب هو التغير التدريجي لمفهوم وطبيعة "الأسرة" وضعف قيمها المتينة ولهذه فإننا سوف نتطرق في مقالنا هذا إلى مفهوم "الأسرة" وسوف نناقش أسباب تحول وتلاشي بعض مفاهيمها وقيمها في المجتمعات الغربية:
الأسرة
الأسرة عبارة عن مجموعة من الأفراد يعيشون معا ويتفاعلون فيما بينهم وتعد الخلية الأولى في المجتمع، كما أنها تتكون من الأب والأم والأبناء وفي سياق متصل يَعرف الأخصائي البريطاني في علم الاجتماع "أنتوني جيدنز" الأسرة على أنها: "مجموعة من الأشخاص يرتبطون مع بعضهم البعض بعلاقات القرابة ويكون كبار السن هم المسؤولين عن رعاية الأطفال الصغار وتربيتهم".
وهنا يمكن تصنيف وتقسيم مفهوم "الأسرة" إلى أربعة أنواع:
ألف) الأسرة الممتدة:
"الأسرة الممتدة" هي تلك الأسرة التي يتكون أعضائها من أكثر من جيلين وتتكون من الأجداد والأبناء والأحفاد والعمات والأعمام وأبناء العم الذين يعيشون جميعًا بالقرب من بعض أو في منزلٍ واحد وفي بعض الأحيان قد يشير هذا المصطلح إلى وحدة الأسرة التي يعيش فيها عدة أجيال معًا في منزل واحد، بينما في بعض الثقافات قد يستخدم هذا المصطلح كمرادف للأسرة ذوي القربى.
"الأسرة الممتدة" هي تلك الأسرة التي يتكون أعضائها من أكثر من جيلين ويعيشون مع بعضهم البعض
ب) الأسرة النووية أو النواة أو الأولية
"الأسرة النووية أو النواة أو الأولية" في مصطلح "العلوم الاجتماعية"، هي عبارة عن أسرة مكونة من الزوج والزوجة وأطفالهما وفي هذا النوع من الأسر، تقل اتصالات ولقاءات هذا النوع من الأسر مع أقاربهم الآخرين البعيدين عنهم.
ج) الأسرة ذات العائل الواحد:
"الأسرة ذات العائل الواحد" هي تلك الأسر التي يقوم فيها الزوج بمفرده أو الزوجة بمفردها برعاية وتربية الأطفال ويرجع السبب في تَكون مثل هذه الأسر هو الطلاق أو وفاة أحد الزوجين أو إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج أو التبني.
"الأسرة ذات العائل الواحد" هي تلك الأسر التي يقوم فيها الزوج بمفرده أو الزوجة بمفردها برعاية وتربية الأطفال وفي هذا النوع من الأسر لا يتلقى الأطفال الرعاية والتربية الصحيحة الكاملة وذلك نظرا لانشغال الأب أو الأم بالأمور المعيشية والاجتماعية ومن الممكن أن يكون ذلك الطفل عرضة للمشي في الطريق الخطاء وأن يُستغل جنسياً.
د) الأسرة المتجددة:
"الأسرة المتجددة" هي ذلك النوع من الأسر التي سبق لأحد الوالدين أو كلاهما بالزواج مسبقا وعادة ما يكون الأطفال في هذه النوع من الأسر قد ولدوا نتيجةً عن الزيجات السابقة للآباء والأمهات وبهذا الأمر يعيش الأطفال مع زوجة أبيهم أو مع زوج أمهم.
"الأسرة المتجددة" هي ذلك النوع من الأسر التي سبق لأحد الوالدين أو كلاهما بالزواج مسبقا وأنجبوا بعض الأطفال من زيجاتهم السابقة.
العلاقة بين القيم "الأسرية" و"العنف الجنسي"
تُبين الإحصائيات الحديثة بأن عدد "الأسر الممتدة" في المجتمعات الغربية وخاصة في المجتمعات الأوروبية، قليلة جداً وفي مثل هذه النوع من الأسر التي لا يزال الجد والجدة يعيشون فيها، نرى بأن حوادث "العنف الجنسي" نادراً ما تحدث ولكن مع بداية القرن العشرين وتطور معظم الصناعات في المجتمعات الغربية، قل هذا النوع من الأسر وتلاشت وظهر نوع آخر من هذا التنظيم الاجتماعي الذي يسمى في وقتنا الحاضر بـ"الأسر النووية أو الأولية".
يمكننا في هذا الرسم البياني مشاهدة نسبة الأطفال الذين يعيشون في "أسر ممتدة"، حيث أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا تحتل مستويات منخفضة.
على الرغم من أن ثقافة التبرج والتعري كانت منتشرة منذ القدم في المجتمعات الغربية وكانت تحدث الكثير من الارتباطات الجنسية المحرمة بين أعضاء العائلة الواحدة، إلا أن معدلات "العنف الجنسي" لم تكن مرتفعة كما هو الحاصل في وقتنا الحاضر.
وفقا لبعض الدراسات، هنالك 90 في المائة من الأطفال الذين كانوا عرضة للعنف الجنسي، يعرفون الشخص الذي اعتدى عليهم.
ووفقا لتقرير أعدته منظمة "بريس"، فإن هنالك حوالي 60 في المائة من الاعتداءات الجنسية الأسرية التي تُرتكب، يكون معظم ضحاياها من الفتيات الصغار وعادة ما يقوم والد تلك الفتاة بهذا الاعتداء وفي معظم هذه الحالات، لا تعيش أم تلك الفتاة معهم في نفس البيت وتكون تلك الأسر في الغالب إما "اسراً متجددة" أو "اسراً ذات العائل الواحد".
هنالك حوالي 82 في المائة من ضحايا الاعتداءات الجنسية التي تُرتكب، يعرفون الشخص الذي اعتدى عليهم: الزوج أو الزوجة أو أحد أفراد العائلة أو صديق.
لقد أظهرت دراسة أجريت في الولايات المتحدة بين عامي 1976 و1982 أن معدل الاعتداءات الجنسية الأسرية، قد زاد بنسبة وصلت إلى أكثر من 600٪ ولقد بينت تلك الدراسة الاستقصائية أن معظم تلك الحالات الجنسية، قام بها آباء وأخوة الضحايا.
يتوفى سنويا ما بين 2000 و4000 طفل أمريكي على إثر إصابتهم بأضرار نفسية ناجمة عن الاعتداءات الجنسية التي تعرضوا لها.
ووفقا لإحصاءات الوكالة الوطنية المختصة بالقضاء على جميع أشكال الاستغلال الجنسي في الولايات المتحدة "RAINN"، فإن حوالي 70 في المائة من حالات الاغتصاب التي تحدث في الولايات المتحدة، يقوم بها أشخاص ذو صلة قريبة بالضحية وهنالك أيضا حوالي 35 في المائة من أولئك المغتصبون هم من أفراد الأسرة التي تقع فيها مثل هذا النوع من الجرائم.
حوالي 35 في المائة من أولئك المغتصبون هم من أفراد الأسرة التي تقع فيها مثل هذا النوع من الجرائم.
وحول هذا السياق أعربت "الجمعية الوطنية لمنع الاعتداء على الأطفال" في تقرير أعدته، أن معدل "العنف الجنسي" في الأسر البريطانية زاد بنسبة 90 في المئة عما كان عليه في أواخر القرن العشرين. ووفقا لهذا التقرير، فإن أقارب الضحايا في معظم حالات الاعتداءات الجنسية التي تحدث في هذا البلد، هم المغتصبين الرئيسيين لتلك الحالات.
