الوقت- على مايبدو أن السياسة الامريكية لاتؤمن بمبدأ " إيجاد الحلول" في الأماكن التي تشهد صراعات ونزاعات داخلية بل على العكس تماما، حيث تعمل واشنطن دائما وأبدا على تأزيم النزاعات وتأجيجها خدمة لمجموعة "اهداف" تضعها الإدارة الامريكية على سلم أولياتها.
هذا الكلام ينطبق على سياستها في أفغانستان، الدولة التي شهدت الويلات على مدار عشرات السنين وما زال جرحها ينزف جراء السياسة الأمريكية التي تلوث أي وصفة دواء تساعد الجرح الأفغاني على الالتئام، فبعد أن دعمت واشنطن المجاهدين الأفغان ومدتهم بالسلاح لمحاربة النفوذ السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت بمحاربة هؤلاء المجاهدين أنفسهم ووصفتهم بالارهابيين وادعت حينها أنهم بدأوا يشكلون تهديدا كبيرا على المصالح الامريكية في افغانستان، وامتد تاثيرهم السلبي على واشنطن الى مدى عقد كامل من الزمن اختتم بتنفيذ أخطر عملية ارهابية في التاريخ الحديث، والتي تمثلت بضرب برجي التجارة العالميين خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر، واتهمت حينها واشنطن القاعدة بتنفيذها.
وبعد هذه المرحلة شنت واشنطن على من دربتهم ومدتهم بالأسلحة غارات جوية وهاجمت معاقلهم بأفغانستان وتمكنت من إضعافهم مع بداية الألفية الثالثة، ليبزغ نجمهم من جديد والذي تمثل بحركة "طالبان" خلال السنوات القليلة الماضية، والآن وبعد مرور نحو 16 عاما من الاطاحة بحكمها وصرف مبالغ خيالية للقضاء عليها إلا ان الحركة صمدت وباتت تسيطر الان عمليا على نحو 40 بالمائة من مساحة البلاد وهي توسع سيطرتها يوميا.
إذا ما الحل ؟!
وجدت واشنطن أن الحل مع طالبان هو محاربتها من خلال توسيع نفوذ "داعش" في أفغانستان، خاصة أن الأخيرة بدأت تظهر في أفغانستان عام 2014 وتحديدا في المنطقة الواقعة على الحدود مع باكستان أي في مناطق نفوذ طالبان، وبالتالي فإن الحل الأمثل لمنع طالبان من توسيع نفوذها هو غض النظر عن نشاط "داعش" وتوسعها في أفغانستان بالرغم من كل الاجرام الذي تسببه هناك، خلال المرحلة القادمة.
وما يؤكد هذه النوايا الأمريكية، التقارير الصحفية وتصريحات المسؤولين التي أكدت ان واشنطن تنوي بعد هزيمة داعش في سوريا والعراق، نقل عناصر داعش الى افغانستان وآسيا الوسطى، والجميع يعلم أن الولايات المتحدة الامريكية لم تكن ترغب بهزيمة داعش في سوريا والعراق ولكن بعد هزيمتها في كلا البلدين لم يعد أمام واشنطن سوى نقل عناصر التنظيم الارهابي الى افغانستان وآسيا الوسطى.
وفي الوقت الحالي ينشط "داعش" بقوة في أفغانستان ويقوض جميع فرص الحل هناك بدعم خفي من واشنطن، واستهدفت آخر جرائم التنظيم منذ يومين مقر منظمة "انقذوا الاطفال" (سايف ذا تشيلدرن) في شرق افغانستان، واسفر عن سقوط اربعة قتلى على الاقل و14 جريحاً. وتبنى تنظيم "داعش" مسؤولية الاعتداء على مقر المنظمة في جلال آباد عاصمة ولاية ننغرهار شرق أفغانستان، حيث يتركز تواجد التنظيم الارهابي.
واعلنت المنظمة بعد الاعتداء تعليق برامجها وإغلاق مكاتبها في افغانستان حيث تتواجد منذ العام 1976، وتتولى خصوصاً مساعدة اطفال الشوارع، مع امتلاكها شبكة مهمة في انحاء البلاد.
دور واشنطن التخريبي
تدّعي واشنطن أنها تسعى لدعم الحكومة الأفغانية في كابول، إلا أن هذا الكلام ليس دقيق للاعتبارات التالية:
أولاً: دخول "داعش" على ساحة الصراع في أفغانستان يقوض جميع فرص الحل ويغرق الدولة في أتون صراعات جديدة كانت بغنى عنها لولا التواطئ الأمريكي الذي جلب عناصر داعش من سوريا والعراق بعد هزيمتهم هناك، وقام بتغذيتهم من جديد لخدمة مصالحه ولا أحد يعلم إن كان التنظيم سيكرر نفس النهج السابق لطالبان ويبدأ باستهداف المصالح الأمريكية في حال اختلفت مصالحهم في الأيام المقبلة.
ثانياً: انتشار داعش في أفغانستان سيمنع حصول مفاوضات بين الحكومة وطالبان، كان قد دعا اليها الرئيس الأفغاني أشرف غني، حيث جدد مؤخرا الدعوة لقادة طالبان إلى الانضمام لـ"محادثات السلام" في البلاد، واعتبر ذلك "الفرصة الأخيرة" أمام الحركة للمشاركة في العملية السياسية، إلا أن دخول داعش على الخط سيحول دون حدوث هذه المفاوضات.
ثالثاً: الاستراتيجية الجديدة لواشنطن في أفغانستان والتي تقضي بزيادة عدد القوات الأمريكية هناك، في إطار استراتيجية جديدة للمنطقة، وأبدى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اعتراضه على أي انسحاب سريع من أطول صدام عسكري عرفته واشنطن.
وبحسب مسؤولين كبار في البيت الأبيض، فإن ترامب سمح لوزارة الدفاع بنشر ما يصل إلى 3900 جندي إضافي، ويوجد في أفغانستان نحو 9 آلاف جندي أمريكي ضمن قوة لحلف شمال الأطلسي "الناتو".
وبالرغم من كل هذه المحاولات الأمريكية لمنع طالبان من زيادة نفوذه في أفغانستان، إلا أن هذه الحركة لاتزال تنشط في 25 ولاية من أصل 34. وقالت حركة طالبان ردا على تصريحات الرئيس الأمريكي إن أفغانستان ستصبح "مقبرة أخرى" للولايات المتحدة إن لم تسحب قواتها.
في الختام؛ السياسة الأمريكية في المنطقة أثبتت أنها أكبر مولد للأزمات وأكبر داعم لظهور جماعات متطرفة تمنع أي فرص حل أو أي عملية سلام بين أطراف النزاع كما يحدث الآن بين الحكومة الافغانية وطالبان التي تقف واشنطن اليوم حجر عثرة في طريق حدوث أي مفاوضات بينهما.