الوقت- ناسية أو متناسية حجم التضحيات التي قدمها الجيشان السوري والعراقي والقوت الرديفة لهما، خرجت علينا أمس رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي لتنسب الانتصار المدوي على تنظيم داعش الارهابي للقوات البريطانية وتنضم الى جوقة مدعي الأبوة الذين يحاولون سرقة الانتصار من أصحابه الحقيقيين.
اذ اعتبرت ماي في كلمة ألقتها أمام العسكريين البريطانيين في قاعدة القوات الجوية البريطانية أكروتيري في قبرص، ان الفضل في دحر تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق يعود جهود هؤلاء الجنود العاملين في قبرص! مخاطبة جنود مملكتها بالقول :" وبفضل جهودكم إلى حد كبير، سحق ما يسمى بالخلافة، ولم تعد تسيطر على مساحة كبيرة في العراق وسوريا فيجب أن تفتخروا بشكل لا يصدق بهذا الإنجاز ".
ولكن محاولة بريطانيا قنص الانتصار على داعش ربما لم تعجب الحليف الامريكي، مما دفع الرئيس دونالد ترامب مرة أخرى الى اعادة تأكيده أنه أب الانتصار وأكد خلال كلمة أمس الجمعة في البيت الأبيض أن العسكريين الأمريكيين "حرروا" بشكل كامل جميع المناطق في سوريا والعراق من مقاتلي تنظيم داعش الارهابي، وأضاف: كما تعلمون، فإننا حققنا نجاحات كبيرة في سوريا والعراق، لقد حررنا تقريبا جميع الأراضي التي كانت (الخلافة) قد استولت عليها في سوريا، والأمر نفسه يتعلق بالعراق".
تصريحات ترامب هذه لم تكن الاولى من نوعها، اذ سارع الرئيس الامريكي بعد ساعات من اعلان الرئيس الروسي فلادمير بوتين والكرملين في السادس من شهر كانون الاول الحالي الانتصار على داعش في سوريا وبدء عودة الجنود الروس الى بلادهم، الى القول أن بلاده بـ"الذات" انتصرت على داعش في سوريا والعراق، حیث قال: "انتصرنا في سوريا، وانتصرنا في العراق، لكنهم ينتشرون في مناطق أخرى. ونحن من جانبنا نلاحقهم بنفس السرعة"، متناسياً حجم التضحيات الكبيرة التي قدمها الجيش السوري والقوات الحليفة له بالاضافة الى تضحيات الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي، أصحاب النصر الحقيقي على الارهاب.
صراع أبوة بين روسيا وامريكا على النصر السوري العراقي
كلام ترامب الذي يبدو أنه هو نفسه غير مقتنع فيه، لم يقنع الرأي العام ايضا، وعلق السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف في تغريدة على موقع تويتر، بالقول ''الكلمات التي لفظها ترامب، لا تقنع حتى الإعلام الأمريكي، الذي يقول إن امریکا هي التي انتصرت في سوريا. ومن كان في سوريا أمس، هو بوتين وليس ترامب''.
النزاع على الابوة الحقيقة للنصر على داعش بين مختلف القوى الغربية كان على أشده بعد تحرير الجيش العراقي للحدود السورية العراقية وتمكن الجيش السوري من تحرير آخر معقل للتنظيم الارهابي في ريف دير الزور الجنوبي بعد استعاد السيطرة على مدينة البوكمال، وبدأت روسيا تعاير أمريكا والدول الاوروبية بفشل سياساتها في ليبيا وأفغانستان وطالبت دول الناتو والتحالف الامريكي عدم سرقة الانتصار منها، وردت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على وزير الخارجية الفرنسي جان إف لودريان الذي اعتبر أن روسيا ليس لها الفضل في القضاء على داعش بالقول "توقفوا، أيها السادة! إنجازاتكم هي العراق وليبيا وأفغانستان، فافتخروا بها".
فرنسا: السوريين وصلوا متأخرين في محاربة داعش!!
الصلافة وصلت أوجها من قبل فرنسا التي تشارك الى جانب أمريكا في تحالفها المزعوم والغير شرعي والذي تشكل من خارج إطار الامم المتحدة، اذ ذهب وزير الخارجية الفرنسي جان إف لودريان الى اقصى حدودها، عندما اعتبر أن الايرانيين والروس وحتى أصحاب الارض السوريين وصلوا متأخرين إلى هذه الحرب ضد داعش ولا يجب أن يمدحوا أنفسهم على أعمال لم يقوموا بها.
نفهم أن النصر كبير وأن التهديد الذي شكله تنظيم داعش الارهابي ليس على سوريا والعراق فحسب بل على العالم أجمع كان أكبر، وهو لم ينتهي بطبيعة الحال، ولكن لا نفهم كيف تتصارع تلك القوى الغربية على سرقة هذا النصر من أصحابه الحقيقيين وهم سكان هذه المنطقة الذين قدموا الغالي والنفيس من اجل صد الارهاب، ونحن هنا لسانا في وارد الحديث عن أعداد الشهداء السوريين و العراقيين والقوات الحقيقية التي ساندتهم على الارض وكانت كتفا الى كتف معهم في محاربة الارهاب ولكن من الضروي ايضا الحفاظ على الانتصارين الحقيقيين؛ الانتصار على الإرهاب، والانتصار على نزعة التقسيم، وتسجيل تلك الانتصارات باسم اصحابها الحقيقيين للأمانة التاريخية والعلمية، ولكن من يزور التاريخ ويزور الحاضر ليس لديه أي مشكلة في تزوير المستقبل وسرقة الانتصار من أهله بعد أن سرق الأمن والأمان منهم.