الوقت- في خطوة جديدة تُعمّق الخلاف السعودي القطري، وبعد 200 على حصار الدول الأربعة للدوحة، أصدرت السلطات السعودية قرار بإغلاق منفذ “سلوى” الوحيد بين المملكة وقطر نهائيا.
يأتي التطوّر الجديد للأزمة الخليجية،بعد فترة وجيزة على اليوم الوطني القطري الذي حمل رسائل عدّة لدول الحصار أبرزها ما قاله وزير الدولة للدفاع خالد العطية في الحفل "قطر ليست دولة لينة فتعصر، ولا يابسة فتكسر".
ورغم أن "منفذ سلوى" هو المنفذ البري الوحيد الذي كان يربط قطر بريّاً مع سائر العالم، إلا أن دلالات وتداعيات هذا القرار لن يتأثر بها الشعب القطري كون حركة المرور في هذا المعبر اقتصرت منذ انتهاء مهلة الـ14 يوما في منتصف يونيو/حزيران الماضي على الحالات الإنسانية.
التداعيات
لا شكّ أن رمزية إغلاق المعبر الأخير بعد مرور أكثر من ستة أشهر على الحصار يحمل جملة التداعيات، أبرزها:
أولا: إن هذه الخطوة تشكّل المسمار الأخير في نعس العلاقات السعوديّة القطريّة، حيث عمدت الرياض من خلال هذا القرار لقطع "شعرة معاوية". سيعزّز كل طرف دعمه للمعارضة الداخلية، وهذا بالفعل ما عمدت إليه الرياض من خلال اجتماع شيوخ آل ثاني تحت شعار "إنقــاذ قطر".
ثانياً: يشكّل هذا الإجراء السعودي بيئة خصبة لتوسيع الشرخ والتصدّع بين اعضاء مجلس التعاون الخليجي.
ثالثاً: قطر ستواصل سياستها الحالية في التأسيس لتحالفات خارج مجلس التعاون وتحديداً في العلاقة مع ايران وتركيا وهذا ما ظهر من خلال الصور التي رفعها القطريون خلال الاحتفال اليوم الوطني. كذلك، ستعمد قطر إلى التعامل بالمثل مع السعودية والإمارات في تأسيس تحالفات خليجية ثنائية مع سلطنة عمان، والكويت بدرجة أقل، ولا نستبعد اليمن في المرحلة التي تلي العدوان.
الدلالات
لا تقتصر نتائج إغلاق المعبر الأخير بين البلدين على هذه التداعيات، بل هناك جملة من الدلالات التي تشير إلى الواقع القائم، وتؤسس لمستقبل الأزمة، يمكن الإشارة إليها في جملة من النقاط:
أولاً: حاولت واشنطن امساك العصا من الوسط في الأزمة الخليجية لأسباب عدّة، منها استخدام كل طرف كورقة ضغط على الطرف الآخر، ومنها أيضاً أسباب اقتصاديّة تتعلّق بصفقات السلاح التي يحلّ ربيعها عند كل أزمة سياسيّة أو أمنية. وبالتالي، يؤكد هذا القرار عدم وجود قرار أمريكي في حلّ الخلافات بين البلدين، ليس ذلك فحسب بل رغبتها في استمرار التوتّر القائم بين الدوحة والرياض.
ثانياً: ما يعزّز هذا الأمر هو ما ظهر في الصحف الخليجية (السعوديّة والإماراتيّة) غداة الاحتفال بالعيد الوطني حيث نشرت صحيفتي الشرق الأوسط السعوديّة والبيان الإماراتية مقال للكاتب عبدالرحمن الراشد، بعنوان "الدوحة وسياسة شراء السلاح"، جاء فيه: على حجم قطر، مساحة وسكاناً، الصفقات العسكرية الأخيرة التي أبرمتها تكفي لحماية دولة أكبر منها عشر مرات، قطر، منذ بدء الخلاف، اشترت أسلحة كثيرة، منها 24 طائرة «تايفون» البريطانية، ومقاتلات « 15F- « الأميركية باثني عشر مليار دولار، و24 طائرة حربية من «رافال» الفرنسية، وسبع سفن حربية من إيطاليا بستة مليارات دولار، و62 دبابة من ألمانيا بملياري دولار، ومعدات عسكرية من تركيا بملياري دولار. إلا أن الراشد تجاهل في مقاله الصفقات الكبرى التي أبرمتها كل من السعوديّة والإمارات مع أمريكا والغرب.
ثالثاً: إن عدم استسلام قطر امام ضغوطات السعودية رغم استخدام الأخيرة كافّة أوراقها، ليس ذلك فحسب بل نجاح الدوحة في الالتفاف على الحصار وتجييره لصالحها عبر دعم ايران وتركيا ووقوف العديد من دول مجلس التعاون على الحياد، إن دلّ على شيئ إنما يدل على فشل الرياض في مشروعها السياسي الخليجي، تماماً كما فشلت في اليمن، وبدرجة أقلّ مع سلطنة عمان كونها لم تذهب بعيداً في المواجهة.
رابعاً: نجحت قطر في إدارة أزمتها مع دول الحصار بعقلانية، بعيدا عن التشنج أو فقدان العقل الذي سار به الأمير الشاب محمد بن سلمان، وهو التشنج الذي يصب في سياسة القوّة التي تستخدمها الرياض في التعاطي مع الدول العربيّة. المرحلة القادمة هي مرحلة تصعيد للخلافات والتوترات بين قطر من جهة، والسعوديّة والإمارات من جهة أخرى، بالتزامن مع حراك دبلوماسي واقتصادي واسع من قبل الدوحة سينتج عنها اتفاقيات وتفاهمات تساعد قطر في مرحلة الحصار وما بعدها، وهذا بالفعل ما بدأه الأمير تميم الذي يزور حالياً ست دول من غرب أفريقيا؛ تشمل ساحل العاج، ووغانا، وغينيا، والسنغال، ومالي، وبوركينافاسو.
السؤال الذي يطرح نفسه هل هناك من طريق عودة بين قطر والرياض؟ نعم، ولكن هذا الأمر لا يكون إلا على حساب خلاف سعودي إماراتي، وفي الحالتين يبدو أن قطر ربحت المعركة، أو بعبارة أدقّ الرابح الأكبر كونها تعرّضت، ومن المرتقب أن تتعرّض، إلى الكثير من الخسائر، ولكن دون أن تحقّق السعوديّة اهدافها.