الوقت- يواصل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس محاولات الانقلاب على اتفاق القاهرة. آخر فصول هذه المحاولات تمثّلت في حرب الموظفين التي شنّها عباس على حركة حماس إثر إعلانه "ضرورة عودة جميع الموظفين القدامى إلى عملهم"، وتكليف الوزراء بترتيب عودتهم من خلال "آليات عمل تضمن تفعيل دور الحكومة وعملها في المحافظات الجنوبية (غزة)، كجزء من التمكين الفعلي لتحقيق المصالحة، انسجاماً مع اتفاق القاهرة".
خطوة عباس ليست بجديدة، بل تأتي بعد جملة من الإشارات السابقة حول سلاح المقاومة وضرورة أن لا يكون في غزة أيّ سلاح "غير شرعي"، إلا أنّها أيضاً لن تكون الأخيرة.
وبعد أن أدرك عباس صعوبة استخدام قضيّة سلاح المقاومة في المرحلة الحالية، بات يلجاء إلى"حُجّة التمكين" بغية للتهرب من استحقاقات المصالحة، على أن يبقى سلاح المقاومة هو الطلقة الأخيرة في جعبة عباس.
أسباب التراجع
السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه اليوم يتعلّق بأهداف عباس من عرقلة اتفاق القاهرة، ومحاولته نقل المواجهة إلى ساحات اخرى كالحديث "بأنه لن يقبل ولن يستنسخ تجربة حزب الله في لبنان"، وهنا يمكن الإجابة على هذا السؤال في عدّة نقاط.
أوّلاً: لا شكّ أنّ عباس هو المستفيد الأكبر على الصعيد السياسي من اتفاق القاهرة إذا ما تمّت قراءته بعيداً عن المصلحة الفلسطينية العليا. أي أن حماس وفصائل المقاومة هي التي قدّمت التنازلات بشكل عام أمام حركة فتح التي حصل على الكثيرة من مطالباتها السابقة تجاه غزّة، وهذا بالفعل ما ظهر في كلام قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، الذي أكّد أنه سيقدم تنازلات صاعقة وسيكسر عنق كل من لا يريد المصالحة سواء كان من حماس او غيرها.
ثانياً: ما يريده عباس اليوم هو جرّ السنوار إلى الجزء الثاني من كسر العنق، أي من يعرقلون خارج حماس، إلا أن الأخيرة ستلجأ إلى معالجة قضيّة الموظفين بحكمة بعيداً عن المواجهة التي يريدها عباس، ولكن لماذا يريد عباس المواجهة التي سيسعى إليها بحجّة تمكين اخرى في حال فشل في جر حماس إلى ما يريد عبر خطوة "عودة الموظفين"؟
ثالثاً: يكمن السبب الرئيسي في صفقة القرن، ولا شيئ آخر، كون الشروط التعجيزيّة الإسرائيلية لن تجد أي قيادة فلسطينية قادرة على التوقيع على هذه الصفقة المهينة. إن طرح الصفقة سيضع محمود عبّاس في عنق الزجاجة سواء قبل بها، وبالتالي ضاعت القضيّة، أو رفضها ما يعني أنّه المعرّقل الرئيسي لعملية السلام، ومن هذا المنطلق يسعى عباس للحؤول دون طرح الصفقة عبر افتعال الأزمات مع حماس. عباس ورغم كلّ أخطائه، التي نتّفق مع الكثيرين عليها، لا يتحمل وزر بيع القضية الفلسطينية.
رابعاً: إن أي اعتراض من قبل عباس على هذه الصفقة سينزع عنه أي شرعيّة أمريكية أو عربيّة، ويؤسس لحضور غريمه التقليدي محمّد دحلان الذي سيتلقّف الصفقة بشراهة، كتلك التي تنتابه على السُفرة (بضمّ السين) الإماراتيّة، أحد أبرز الدول الداعمة للتطبيع وصفقة القرن مع السعوديّة.
ولكن، لا نعتقد أن الدول الغربيّة، وبعض العربيّة، تسعى إلى هذا الأمر، بل تريد إبرام صفقة القرن سواء حضر عباس أو غاب وحتّى لو وصل به الأمر إلى إلغاء جميع القرارات السابقة في قطاع غزة، ومن هنا ندعو الرئيس الفلسطيني إلى صحوة حقيقية تذكرنا بالرئيس الراحل ياسر عرفات "أبو عمار" رحمه الله.. لم يبق من العمر أكثر مما مضى.. فأبقي لنا فسحة من الترحم عليك بعد رحليك.