الوقت - بعد النجاح الذي حققته سوريا والقوات المتحالفة معها والذي تمثّل بالقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، وملاحقة فلوله؛ حيث أصبح التنظيم قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة النهائية، ظهر إلى العلن تناقضات الخطاب في الكيان الإسرائيلي بين مسؤولي الكيان وقياداته، حيث تُشير تصريحاتهم إلى مدى الخيبة التي أصابتهم بعد انجازات الجيش السوري وحلفاءه.
والمتابع للإعلام العبري يمكن أنّ يرى التناقض والإزدواجية الكبيرة في تصريحات مسؤولي الكيان تجاه، حيث نشرت صحيفة "جيروزليم بوست" العبرية أول أمس الأحد (26 نوفمبر) تصريحات لكلٍ من "رئيس حكومة الكيان، وزير الأمن ورئيس أركان الجيش"، تؤكد جميعها على الخطر الذي يُشكله الوجود الإيراني على الكيان الصهيوني في سوريا، مشيرين إلى أنّهم "سيحاربون" أيّ تواجد للقوات الإيرانية على الأراضي السورية حسبما ذكرت الصحيفة.
غير أنّ تلك التهديدات سرعان ما تمّ التقليل من أهميتها من قبل صحيفة "هأرتس" الصادرة في الكيان أيضاً، حيث أكدت الصحيفة في تقريرٍ لها على أنّ قوات الإحتلال الإسرائيلي غير قادرة على منع التواجد الإيراني في سوريا، منوّهةً بأّن التهديدات الإسرائيلية لم يعد لها أيّ قيمةٍ، مشيرةً إلى أنّ الانطباع السائد في الكيان هو أن إسرائيل صعدت إلى شجرة عالية جداً بخصوص الوجود الإيراني في سورية.
ويؤكد مراقبون بأنّ التهديدات الصادرة عن حكومة الكيان الصهيوني وعن مسؤوليه وحتى إعلامييه لا تغدو عن كونها محاولات فاشلة للحد من التواجد الإيراني على الأراضي السورية، ولما يُشكله هذا التواجد من خطرٍ وجودي على الكيان الإسرائيلي.
وفي السياق ذاته؛ يؤكد الخبير في الشؤون العسكرية "عاموس هرئيل" أنّ حكومة الكيان ومسؤوليها يواجهون مشكلتان، تكمن الأولى بأن تصريحات بنيامين نتنياهو والمسؤولون في حكومته حول الخطوط الحمراء غير موجودة عملياً وغير واضحة، وهل هي –حكومة الكيان- ترفض نشاطاً قد يتحول إلى عمليات ضدها، أم إنها تعارض خطوات إيرانية لتعزيز الحكومة السورية، وهو مطلب سيكون بحسب هرئيل من الصعب تجنيد شرعية دولية له.
على صعيد متّصل؛ وفي سبيل مواجهة الوجود الإيراني "الشرعي" في سورية؛ أكدت صحيفة "جيروزليم بوست" في تقريرٍ لها أنّ مصالح الكيان الصهيوني تلتقي مع مصالح تنظيم "داعش" الإرهابي، وذلك بهدف مواجهة إيران العدو المشترك لكلا الكيانين، مشيرةً إلى أنّ مواجهة الوجود الإيراني في سوريا سيجعل إسرائيل و"داعش" حلفاء، وقال تقرير صادر عن مركز "مائير عميت" للمعلومات الاستخباراتية – مركز تابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية - إن مواجهة الوجود الإيراني في سوريا ستجعل "إسرائيل" و"داعش" حليفين بطريقة ما.
وأشارت الصحيفة إلى أـنّ تكرار تهديدات كهذه يمكن أن يُفسر على أنه مظاهر ضعف وتصريحات فارغة، وفي حال أرادت إسرائيل تطبيق هذه التهديدات سيؤدي إلى تدهور الوضع على طول الحدود مع سوريا ولبنان، وإلى مواجهة عسكرية واسعة، وإسرائيل غير جاهزة لخوضها.
إلى ذلك، يرى الجنرال السابق في جيش الإحتلال الإسرائيلي "يائير جولان" بأنّ الوضع الراهن يربك الإسرائيليين، ويجبرهم على طرح اسئلة جوهرية تتعلق بأمن كيانهم، مطالباً خلال المؤتمر السنوي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حكومته بالقيام بتغييرات طارئة لإستراتيجيتها الدفاعية والهجومية بهدف حماية نفسها.
وكان المحلل العسكري في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، ألون بن دافيد، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "معاريف"، (23 نوفمبر) "انشغلنا في نثر تهديدات فارغة عن نيتنا العمل ضد أي وجود إيراني في سورية، ونشرت بي.بي.سي. قبل أسبوعين صورا لقاعدة عسكرية صغيرة قرب دمشق، ووصفت كقاعدة ستدخل إليها قوات إيرانية قريبا، بالإمكان التكهن بمن وزع هذه الصور (إسرائيل). هل يعتقد أحد ما حقا أن إسرائيل ستهاجم هذه القاعدة إذا دخلها مئات الجنود الإيرانيين؟ وهل سيهددون إسرائيل"، منوّهاً بأن الإعلان عن خطوط حمراء هو أمر ينطوي على إشكالية دائما، وإعلان كهذا يسحب من المعلن ترجيح الرأي ويضطره إلى العمل (عسكريا)، حتى لو لم يكن هذا الأمر الصائب الذي ينبغي فعله، أو أن يتبين أنه أداة جوفاء".
وفي سياقٍ منفصل؛ يؤكد مراقبون أنّ الحضور الإيراني في سورية أزال أيّ خطر محتمل للتقسيم، حيث أن خطر التقسيم ظلّ مرافقاً للأزمة السورية منذ بدايتها، وخصوصاً بعد التدخلات الأمريكية ودعمها لبعض الميليشيات المسلحة التي انت تطمع إلى اقتطاع أجزاء من البلاد وتشكي دويلتها، (داعش- قسد- النصرة)، حيث ساهم الوجود الإيراني بطرد تنظيم داعش من كافة معاقله، كما تم تقليص وجود جبهة النصرة –التابعة لتنظيم القاعدة- في أغلب مناطق سيطرتها، وفيما يخصّ انتشار ميليشيات (قوات سوريا الديمقراطية) فإنّ الوجود الإيراني وخصوصاً بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي من المنطقة الشرقية أوصل رسالة واضحةً لتنظيم (قسد) مفادها أنّ العبور إلى المناطق التاي تمّ تحريرها مؤخراً هو خطٌ أحمر يُمنع تجاوزه.
ويمثل تصريح علي أكبر ولايتي مستشار السيد علي الخامنئي بأنّ قوات الجيش السوري والقوات المتحالفة معه وما أن تنتهي من تطهير مدينة دير الزور ستبدأ باستعادة مدينة الرقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية، ومن ثمّ ستتجه إلى تحرير مدينة إدلب التي تُسيطر عليها جبهة النصرة، ويحمل هذا التصريح بحسب مراقبين رسالةً واضحة بأنّ إيران لن تسمح بتقسيم سوريا إلى كنتوناتٍ صغيرة تتناحر فيما بينها، يكون المستفيد الوحيد من هذا التقسيم هو الكيان الإسرائيلي.
وينبع تأكيد طهران على وحدة سورية من كونها تؤثر وبشكل مباشر على الأمن الداخلي الإيراني، حيث أكد قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري بأنّ بلداً مثل سوريا بنسيجه السكاني والديني والقومي المتنوع عندما يفشلون في الدفع بأهدافهم وتحقيقها فإن ذلك سيترك أيضاً أثره المباشر على أمننا، والكل يشعر بأن هذه القضية مترابطة بشكل وثيق.
يُشار إلى أنّ التصريحات الإسرائيلية المتناقضة نابعة عن قصور في رؤية الأحدث الجارية في المنطقة بشكلٍ عام وسوريا بشكلٍ خاص، حيث تقول بعض التصريحات الصادرة من داخل الكيان العبري بأنّ سورايا موحدة أفضل من سوريا مقسمة لا يُعرف أيّ تنظيم يحكمها، خصوصاً تلك الأجزاء الواقعة بمحاذاة الحدود بين سوريا وفلسطين المحتلة، في حين تخرج بعض التصريحات من داخل الكيان ترى بأنّ إيران وحلف المقاومة سيحاولون فتح جبهة ضد "إسرائيل" من سوريا، الأمر الذي سيعزز قدرات حزب الله اللبناني لمواجهتة الكيان العبري مستقبلاً، لا سيما وأنّ الحرب السورية شارفت على النهاية، ومقاتلي حزب الله اللبناني اكتسبوا خبرات عدّة خلال السنوات الماضية.