الوقت- بعد سنوات طويلة من الركود الذي طبع العلاقات السعودية العراقية، تمكن مسؤولو البلدين خلال الأشهر الماضية وبعد مجموعة زيارات متبادلة من كسر الجليد دون إذابته لآخره (من جملة الزيارات يمكن الإشارة إلى زيارة عادل الجبير للرياض أواخر شباط فبراير الماضي والزيارتين التين قام بهما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى الرياض في حزيران يونيو وتشرين الأول اكتوبرالماضي، كما أُعلن عن دعوة رسمية سعودية لأكثر من مئة رجل أعمال عراقي لزيارة السعودية خلال الأشهر القادمة). سنحاول في مقالنا هذا أن نسلط الضوء على عوامل التقارب والتباعد بين بغداد والرياض لاستشفاف مستقبل هذه العلاقة ومدى إمكانية بناء علاقات استراتيجية في المستقبل.
عندما نتكلم عن العلاقات السعودية العراقية لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع السياسية والأمنية التي تحكم المنطقة. اليوم وبعد نهاية عصر داعش في المنطقة وخاصة تطهير سوريا والعراق من هذا التنظيم الإرهابي أصبح لزاما على كافة الدول وحتى الأطراف السياسية المؤثرة من أحزاب وغيره أن تعيد تموضعها مع التطورات الجديدة. عملية إعادة التموضع السياسية يجب أن تلحظ وبشكل طبيعي المصلحة العليا لهذه الدول لتأمين دور فعال ونفوذ مؤثر في مستقبل المنطقة. العراق والسعودية ليستا استثناء في هذه المعادلة، بل على العكس هما لاعبين أساسيين فالسعودية تسعى لزيادة نفوذها في المنطقة ومواجهة النفوذ الإيراني من جهة، ومن جهة أخرى فالعراق الخارج من فتنة اسمها داعش سيسعى بلا شك لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني الذي افتقده طيلة عقود والذي كان للسعودية دورا مخربا فيه.
بناء على ما تقدم سنسعى لتفنيد عوامل التقارب والتباعد بين بغداد والرياض، لنخلص إلى قراءة المشهد العام لمستقبل العلاقات بين البلدين الجارين.
عوامل التقارب
من دون شك أهم عوامل التقارب بين العراق والسعودية الهوية العربية التي تحكم البلدين. إضافة إلى حاجة بغداد للرياض منفذا اقتصاديا للدولة الخارجة من حرب خلفت دمارا هائلا في البشر والحجر، حيث تتحدث التقارير الدولية عن أضرار تكبدها العراق تصل لحدود 150 مليار دولار أمريكي.
على رغم أن السعودية هي أحد مسببي ما وصلت إليه الأمور في العراق، إلا أنها وطمعا بمواجهة النفوذ الإيراني في العراق ستحاول دعم عملية إعادة إعمار المناطق المدمرة لكسب مودة بغداد. الحكومة العراقية بدورها تُدرك أنّ للرياض جماعتها في العراق ومن أجل الحفاظ على الاستقرار الداخلي ستسعى عبر الرياض للوصول إلى الحلّ السياسي والاستقرار الأمني الداخلي المفقود منذ سنوات.
عوامل التباعد
قد تكون أهم نقاط التباعد بين الرياض وبغداد الدور التاريخي المخرب الذي لعبته السعودية في دعم اللااستقرار في العراق من خلال الجماعات الإرهابية التي فتكت بالشعب العراقي دون رحم.
الواقع أن الرياض لم تقف إلى جانب بغداد في حربها ضد داعش بل أن المعلومات والتقارير تؤكد دعم داعش في أحيان كثيرة، ولذلك يخشى المسؤولون في بغداد أن تكون أحضان الرياض المفتوحة ليست سوى مقدمة لعملية تخريبية جديدة على الأراضي العراقية. شعبيا أيضا هناك شريحة واسعة من الشعب العراقي ليست راضية عن أي علاقات مع السعودية.
إضافة إلى هذا الأمر فعلى رغم التقارب في الهوية العربية إلا أن هناك تضاد أيدولوجي مذهبي (إذا صحّ التعبير) بين البلدين. فالهوية الشيعية لأكثرية الشعب العراقي والهوية الوهابية للسعودية جعلت المنظومتين الفكريتين للشعبين متضادتين تماما.
الأمر الآخر المهم والذي يشكل نوعا من تضارب المصالح، أو لنقل نوعا من عدم التكامل المصلحي الاقتصادي هو أن البلدين منتجين للنفط ومصدرين له، والسعودية تلعب منذ سنوات دورا مخربا في عملية تسعير النفط العالمي وهي على خلاف مع بقية الأفرقاء في مجموعة دول أوبيك النفطية.
المسألة المهمة جدا والتي يمكن فهم حقيقة التقارب المرحلي بين البلدين، أو لنقل حقيقة الانفتاح السعودي على العراق هي الهدف السعودي من الانفتاح على بغداد، فالسعودية تسعى لإبعاد العراق عن طهران في حقيقة الأمر، ولا يمكن أن تقبل السياسة السعودية بعراق قوي ومتحدّ وهذا الأمر يدركه الشعب العراقي والمسؤولين أيضا. ولذلك لا يمكن التعويل على الرياض في أي حال من الأحوال.
خلاصة المشهد وعلى رغم وجود نقاط تقارب إلا أن الواقع أن عوامل التباعد تبقى أقوى وأكثر تجذرا، وهذا الأمر مشهود على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والأيديولوجية. ولذلك وباختصار لا يمكن أن تُصلح بضعة زيارات ما أفسده دهر من الصراع والتناقضات.