الوقت- ذكرت مجلة ناشيونال إنترست في تقرير لها أن ولي العهد السعودي البالغ من العمر 32 عاما هو شاب عديم الخبرة في الحكم، ووصفته بأنه شخص عجول في السياسة الخارجية، مضيفةً أنه يجب على واشنطن ألا تعرض مصالحها الوطنية للخطر من خلال دعم الأمير السعودي.
وكتب آرون ديفيد ميلر، العضو في مركز دراسات "ويلسون"، وكذلك ريتشارد سكولسكي، من الباحثين الغير مقيمين في مؤسسة كارنيغي، في تعليقهم على الوضع في هذه الأيام في المملكة العربية السعودية:
يرى اصحاب الرأي، ان الأحداث الأخيرة التي طرأت في المملكة العربية السعودية تتشابه الى حد كبير بلعبة "Game Of Thrones"، وان حملات الاعتقال الواسعة النطاق التي نُفذت من قبل السلطة التي يمارسها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ونجله محمد بين سلمان الطموح وعديم الخبرة، تجعل من انهيار المملكة المحتمل حقيقة وأمرا واقعا وهو يذكرنا نوعا ما بقصة هاملت لشكسبير.
غير أنه لا ينبغي التغاضي عن خطورة هذه الحوادث القاتلة. وقد أمر شاب يبلغ من العمر اكثر من ثلاثين عاما من ذوي الخبرة القليلة في الحكم، بشن حملة اعتقالات واسعة النطاق في مجال مكافحة الفساد الحكومي، حيث انه اذا نجح في هذا الأمر، والتي يبدو انها شبه مستحيلة في هذه المرحلة، فمن الممكن قياس معدل نجاحه في ادارة الحكومة، حيث سيكون بإمكان تداعيات هذه الخطوة أن تغير نهج المملكة العربية السعودية ودورها الإقليمي لسنوات عديدة.
ندرة الإجراءات الجريئة في الوطن العربي
لكي نفهم أهمية ما يحاول الملك سلمان ونجله القيام به، فمن الضروري أن ندرس أولا المقياس الطبيعي له في سياق التطورات الإقليمية؛ ويُصنّف رؤساء الدول العربية في الواقع ضمن رزمة السياسيين الذين يحاولون الحفاظ على كراسي الحكم من خلال الاستعانة بتجارب الماضي، لكنهم لم يحاولوا أبدا يقودوا سفينة الحكم عن طريق التطلع الى المستقبل والنظر الى الأفق.
وعلى سبيل المثال، ان قرار أنور السادات بالهجوم على إسرائيل في عام 1973 ثم زيارة القدس "اورشليم" عام 1977، وهجوم صدام حسين على الكويت، ومعاهدة السلام مع إسرائيل من قبل الملك حسين الأردني، هي واحدة من الإجراءات النادرة من قبل القادة العرب.
وعلى مدى العامين الماضيين، قدم الملك سلمان امكانيات هائلة للأمير محمد بن سلمان في مجال السياسة الخارجية والاقتصادية والنفطية. وفي الصيف الماضي، احتُجز محمد بن نايف، ولي العهد السابق ووزير الداخلية السابق وحليف الولايات المتحدة القديم في الحرب على الإرهاب، ووُضع قيد الإقامة الجبرية وتم عزله من منصبه الى الابد.
وضمن حملة الاعتقالات اللاحقة في صيف هذا العام، تم أيضا اعتقال عدد كبير من الشخصيات الدينية البارزة في المملكة. الا ان الاعتقالات الاخيرة التي جرت يوم السبت الماضي، اظهرت معيارا جديدا للشجاعة في هذا البلد العربي. وكان اعتقال 11 أمراء سعوديين، من بينهم وزير الحرس الوطني السعودي، احدى القرارات الجريئة التي تُنبئ بوجود تغييرا رئيسيا في نظام المملكة واستبداد أمير في هذا البلد العربي.
سياسة خارجية شرسة
في الوقت الذي كان الجميع يظن ان قرارات ولي العهد السعودي لا يمكن أن تضر بمصالح المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في المنطقة، فقد اجتاحت الاعتقالات يوم السبت الماضي في الرياض كل التوقعات. اجراءات الأمير محمد هي على وجه التحديد عكس الملك الأسطوري "ميداس" الذي كان يحول اي شئ يلمسه إلى ذهب، بدءاً من أفعاله وقراراته في اليمن وقطر وصولاً إلى سياساته الخاطئة في سوريا والعراق.
كما أن معاداته المستمرة مع إيران التي هي في كامل قواها اكثر من أي وقت مضى، من شأنها أن تُشرك الولايات المتحدة بسهولة في مشكلة جديدة في الشرق الأوسط.
ومنذ بدء عمل الأمير محمد بن سلمان كولي العهد ، لم تُشاهد الى الان اي علامات تشير الى قدرته الناضجة على ادارة الحكومة. لذلك، على تحتاج واشنطن ان تختار احدى الطرق، إما إحزام حقائبها لعبور الطريق المجهول الذي رسمه الأمير العربي بن سلمان، أو التركيز على مصالح الولايات المتحدة.
والحقيقة هي أن كلا من ترامب وولي العهد السعودي هما على حد سواء يمتلكان شخصية استبدادية، وكلاهما عديمي الخبرة في الحكومة وخاصة في الشؤون الخارجية. ولم يكن أي من قرارات الأمير محمد في اليمن أو قطر أو سوريا أو لبنان في مصلحة الولايات المتحدة.
بل على العكس من ذلك، جعلت سياساته المتهورة، تنظيم داعش الارهابي وتنظيم القاعدة وإيران أقوى، وخلقت خلافا بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وخلقت حالة من عدم الاستقرار تتزايد باستمرار في اليمن ولبنان، وأشركت الولايات المتحدة في جرائم حرب التي ارتكبتها المملكة العربية السعودية في اليمن.
إن السياسات الخاطئة لمحمد بن سلمان لن تجعل السعودية أكثر ضعفا فحسب، بل ستجعلها تبدو مثل بوتين في روسيا و "شي جين بينغ" في الصين وتُظهر نفسها على المستوى الدولي، وكل ظن بن سلمان للقيام بذلك هي أن الولايات المتحدة سوف تكون دائما بجانبه وتشجعه على ذلك.
لذلك إذا عزم الرئيس الأمريكي ومستشاريه منع وقوع حوادث وصراعات مؤسفة أخرى في الشرق الأوسط، فعليهم ايقافه في أقرب وقت ممكن والتعامل معه باعتباره تهديدا للمصالح الأمريكية.
هل بإستطاعته النجاح؟
تواجه المملكة العربية السعودية الكثير من المشاكل: الاقتصاد المعتمد على النفط وانخفاض سعره في السنوات الأخيرة؛ عجز الموازنة، الحرب اليمنية الطويلة الأمد التي لا يعرف السعوديون كيفية إنهاؤها، وأخيرا إيران التي هي الاخرى تتنظر وقوع اي اضطراب في المملكة العربية السعودية.
ومن ناحية أخرى، فإن برنامج الأمير بن سلمان المتمثل برؤية 2030 الذي يهدف إلى فصل الاقتصاد السعودي عن النفط وتنويع الاقتصاد قد يكون قابلا للتحقيق نظريا، ولكن ليس من الواضح بأي حال ما إذا كان سيتحقق على ارض الواقع. وفي الوقت نفسه، لقد حلت الهزيمة بسياسته الخارجية الخطيرة لمواجهة نفوذ إيران وباءت بالفشل.
في الوقت الحالي، فإن سياسة ولي العهد الداخلية قد فشلت اكثر من سياسته الخارجية، وعلى افتراض أن المملكة العربية السعودية ستبقى قائمة لمدة نصف قرن آخر، مع تولي بن سلمان زعامة القيادة في هذه المملكة، فإنه ليس من الحكمة أن تبني ادارة واشنطن جميع حساباتها على اساس قرارات شاب عجول وعديم الخبرة.
وبدأ مركز دراسات نايشونال انتريست عمله ونشاطه خلال ما يقرب من ثلاثة عقود بالتركيز على السياسة الخارجية للبلدان. وتأسس هذه المركز في عام 1985 من قبل إيرفينغ كريستول وأوين هاريس. ويرتبط هذا المركز بمفكرين ورجال دولة مثل "ديسرائيل"، "بسمارك" و "هنري كيسنجر".
على الرغم من أن السياسة الدولية قد تغيرت بشكل كبير على مدى العقود الماضية، فإن النظام الأساسي لهذا المركز لا يزال دون تغيير، وتركيزه على السياسة الخارجية يتماشى مع المصالح الوطنية الأمريكية.