الوقت-لطالما لعبت السعوديّة دوراً بارز في لبنان عبر الحريرية السياسية التي مرّت بأزمة خلال السنوات الماضية، ما دفع بالرياض للاستعانة باطراف أخرى كوزير العدل السابق والمدير العام الأسبق للقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريف، ووزير الداخلية نهاد المشنوق. السعوديّة التي خسرت شريحة واسعة من الطائفة السنيّة في لبنان بسبب انحيازها التام للحريرية السياسية التي كانت الوكيل الحصري، السياسي والاقتصادي، تتجه اليوم إلى خسارة ما تبقّى لها من حلفاء في لبنان بسبب قضيّة اعتقال رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وإجباره على الاستقالة.
السعوديّة، التي لطالما قدّمت نفسها على أنّها راعية أهل السُنة في العالم، والتي تصف ملكها بـ«خادم الحرمين». تضع الآن كلّ سُني لبناني منتم لها في حالة ذهول وضياع، وربّما غصّة، نتيجة تعاملها مع سعد الحريري بعد اجباره على الاستقالة والغموض الكبير. لِمن الشكوى الآن؟
لهذا أصبح مقرّ المفتي في بيروت، على مدى الأيّام الماضية، بمثابة ملجأ لكلّ مَن يحمل سؤال: ما الذي يجري؟ المفتي نفسه لا يعلم. وجوه الطائفة تُطالب بـ«عودة الحريري» أولاً.. قبل الذي حصل أخيراً، أي إذلال السعوديّة للحريري ومؤيّديه، كان هناك مَن يتحدّث عن «إحباط سُنّي» قبل هذه المرحلة، أما الان فالاحباط فعلا موجود في الوسط السني بعد الاجراءات التي اتخذتها السعودية بحق الحريري لاجباره قسرا عنه بتقديم استقالته، وهذا ما سبب غضب الشارع السني اولا واعتبار هذا التصرف اهانة لهم، بحيث تكتلت جميع القوى اللبنانية مطالبين بعودة الحريري الى لبنان صونا لسيادة الوطن ومعتبرين بذلك انه من حق اللبنانين وحدهم التفرد بقرارهم السياسي رافضين املاءات السعودية الخارجية.
وفي هذا السياق ونظرا للغموض الكبير الذي يلف قضية استقالة الحريري وعدم معرفة مصيره بعد مرور ستة أيام على الاستقالة، تتجه النائبة بهية الحريري الى عقد مؤتمر صحافي باسم العائلة «لكشف المستور» بحسب قولها حيال ما جرى مع الرئيس الحريري، وعلى الرغم من نصيحة البعض بضرورة الاخذ بعين الاعتبار خطورة خطوة كهذه وتأثيرها على «مصيره»، الا انها اكدت ان «صبرها» لن يطول ولن يكون ما سيحصل اسوأ مما حصل حتى الان مع رجل لم يسىء يوما الى المملكة، ودفع مع عائلته اثمانا باهظة لاجلها.
هذا الموقف، يجد صداه ايضا في الشارع «المستقبلي» حيث تبذل قيادة التيار جهودا حثيثة لمنع دعوات انتشرت على نطاق واسع بين منسقيات بيروت والمناطق للخروج الى الشارع بعد صلاة الجمعة اليوم تضامنا مع الرئيس الحريري، وللمطالبة بعودته الى بيروت.
من ناحيته أكّد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق المحسوب على الحريري أنّ “اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر”، وأضاف: “السياسة في لبنان تحكمها الانتخابات وليس المبايعات”. كلام المشنوق جاء وردّا على سؤال حول “الكلام الإعلامي عن تعيين بهاء الحريري شقيق سعد الحريري رئيسا للحكومة
كلام المشنوق جاء بعد زيارته مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان لبحث آخر التطورات السياسية في موضوع استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.
ورأى المشنوق أنّ “لبنان يعيش أزمة وطنية كبرى تستوجب التشاور الدائم مع سماحة المفتي، والتفاهم على خطوات من أجل التلاقي على قاعدة تفاهم مشترك حول مستقبل الشأن الحكومي”. ودعا إلى “انتظار عودة الرئيس الحريري لأنّه هو الذي يقرّر طبيعة المرحلة المقبلة، بالتشاور مع كل الرؤساء والقوى السياسية المعنية”.
وبعدما بلغ تبادل «الرسائل المشفرة» ذروته بالامس مع تسريب تصريحات لمسؤول لبناني كبير يتهم المملكة بالاخفاء القسري لرئيس الحكومة سعد الحريري، وردت عليه الرياض بعد اقل من ثلاث ساعات بدعوة رعاياها لمغادرة الاراضي اللبنانية فورا، مصحوبة بتغريدة «تهديد» جديدة لوزير «الحرب» السعودي المكلف ملف «اخضاع» لبنان ثامر السبهان. تلاها دعوة مماثلة من الامارات والكويت.
وخلاصة في ظل هذه الازمة التي تحيط بلبنان بعد استقالة رئيس الوزراء من السعودية وانقطاع الاخبار عنه اسئلة عديدة تطرح نفسها. ويبقى السؤال الاهم هل ترضخ المملكة للضغوط المحلية والدولية وتمنح الحريري «اطلاق سراح» مؤقت «ومشروط» لامتصاص الغضب واستيعابه؟ وهل صحيح ان السعودية خسرت مناصريها من الشارع السني اللبناني بعد الاهانة الكبيرة التي وجهتها لأهل السنة ؟؟!!
وكيف سيتعامل الشارع السني الحريري مع هذه الازمة خاصة بعد ان كان مناصري هذا التيار يدينون بولائهم للسعودية، كما تجدر الاشارة انه «ثبت بالوجه» الشرعي لمفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، وللقيادات السياسية اللبنانية على مختلف «مشاربها» ان الرئيس الحريري مغيب «قسرا» وليس بارادته. فهل نحن امام ساعات حاسمة قبيل «انكسار» الجرة بين سنة لبنان وراعيتهم الاقليمية «التقليدية» بعد التهور الذي ارتكبه ولي العهد محمد بن سلمان؟ ام ثمة مبالغة في ذلك؟
فما الذي ستؤول اليه الامور في الايام القادمة؟؟