الوقت - أثارت زيارة وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون" إلى العراق جملة من التساؤلات بشأن أهداف هذه الزيارة في هذا الوقت بالذات خصوصاً وأنها أعقبت زيارة رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" إلى السعودية واجتماعه في الرياض مع الملك سلمان بن عبد العزيز بحضور تيلرسون.
وجاءت زيارة الوزير الأمريكي إلى بغداد بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات العراقية على تنظيم "داعش" الإرهابي وتمكنها من استعادة محافظة كركوك التي كانت تحت سيطرة إقليم كردستان الذي أجرى مؤخراً "استفتاء الانفصال" والذي واجه رفضاً شديداً من قبل الحكومة الاتحادية والمحيط الإقليمي والدولي.
ويعتقد المراقبون بأن زيارة تيلرسون إلى العراق تأتي في إطار مساعي واشنطن لتشكيل محور عربي بقيادتها لمواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران ومحور المقاومة الذي تدعمه طهران والذي يتصدى بقوة للمشروع الصهيوأمريكي في عموم المنطقة.
وبعد تعرض العراق لعمليات تخريب واسعة على يد "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية والتي طالت كافة المرافق الحيوية والبنى التحتية للبلاد في شتى الميادين، تسعى أمريكا ومعها السعودية لاستغلال هذا الظرف العصيب الذي يمر به العراق بهدف ابتزازه بحجة دعمه في إعادة إعمار ما دمرّه الإرهاب المدعوم من قبل واشنطن والرياض طيلة السنوات الماضية.
وتخشى أمريكا والسعودية من تنامي قدرة الحشد الشعبي في العراق بعد أن اضطلع بدور كبير في دحر الإرهاب وتمكن من تحقيق مكاسب مهمة واستراتيجية لتعزيز الأمن والاستقرار في البلد وفي عموم المنطقة.
وبما أن العراق مقبل على إجراء انتخابات برلمانية في 12 مايو/أيار 2018، فمن الطبيعي أن تكون لزيارة تيلرسون إلى بغداد أبعاد وأهداف خاصة تتعلق بهذه الانتخابات خصوصاً وإن واشنطن تسعى لاستبدال القوى السياسية الشيعية في العراق بأخرى سنيّة موالية لها وهو ما تسعى إليه السعودية أيضاً في إطار سياستها الرامية إلى إبعاد العراق عن الجمهورية الإسلامية في إيران ومحور المقاومة في المنطقة.
وسعت السعودية في أوقات سابقة إلى استمالة بعض التيارات الشيعية في العراق إلى جانبها من خلال دعوتها لقادة هذه التيارات خصوصاً التيار الصدري الذي يتزعمه السيد مقتدى الصدر وتيار الحكمة الوطني الذي يتزعمه السيد عمار الحكيم.
وشكّل إجراء "استفتاء الانفصال" من قبل إقليم كردستان فرصة لأمريكا والسعودية للتدخل في شؤون العراق في إطار خطة تهدف إلى تمزيق هذا البلد وضرب وحدته بدعم من الكيان الصهيوني الذي روّج ودعم الاستفتاء رغم الرفض الداخلي والإقليمي والدولي.
وكان وزير الخارجية الأمريكي قد قال الأحد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير "إن الوقت قد حان كي تعود الفصائل المدعومة من إيران إلى ديارها وكذلك مستشاروها الإيرانيون" وذلك بعد أن ساعدوا العراق على هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي.
وقد انهالت ردود الفعل الساخطة على تصريحات تيلرسون التي أهان فيها دور الحشد الشعبي في محاربة الإرهاب وكونه مؤسسة رسمية تابعة للدولة العراقية.
واعتبر الكثير من النواب العراقيين تصريحات الوزير الأمريكي تدخلاً سافراً في شؤون بلادهم، ووصفوها بأنها تمسّ سمعة القوات العراقية، فيما دعا المتحدث باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي تيلرسون للاعتذار عن تصريحاته المسيئة للحشد.
على صعيد متصل، شدد رئيس الوزراء العراقي خلال لقائه تيلرسون في بغداد على أن عناصر الحشد الشعبي هم مقاتلون عراقيون وليسوا "مليشيات إيرانية" كما وصفهم الوزير الأمريكي.
وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن تسعى أيضاً إلى إعادة بعض عناصر حزب البعث المنحل إلى السلطة بذرائع واهية من أجل اختراق المنظومة السياسية والأمنية والعسكرية في العراق ضمن مشروعها الرامي إلى تمزيق هذا البلد والعبث بمقدراته والتحكم بمصيره.
والمطلوب مقابل ذلك - بحسب المراقبين - من أجل إحباط هذه المؤامرات والتدخلات هو السعي الحثيث لتعزيز وحدة الصف العراقي بكافة شرائحه وقياداته الدينية والوطنية والسياسية للحيلولة دون تحقق الأهداف المشؤومة لأمريكا والسعودية والكيان الصهيوني في العراق والمنطقة برمتها.