الوقت - نظراً للأهمية الجيوسياسية والاقتصادية التي تحظى بها دولة "تشاد"، أضحى هذا البلد الأفريقي هدفاً للتواطؤ الإسرائيلي - الأمريكي وتحديداً بين "جاريد كوشنر" صهر الرئيس "دونالد ترامب"، ورئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو".
فما هي خلفيات هذا التواطؤ، وما هي تداعياته على مستقبل تشاد وعموم القارة الأفريقية؟
بدأ الضغط على تشاد مؤخراً من خلال وضعها على قائمة الدول التي يُمنع مواطنوها من دخول الأراضي الأمريكية، وقد ساهم في اتخاذ هذا القرار كل من صهر ترامب والسفير الأمريكي لدى الكيان الإسرائيلي "ديفيد فريدمان" بحسب العديد من الصحف الأمريكية والعبرية.
ويسعى كوشنر وفريدمان إلى إرسال رسالة إلى الدول الأفريقية ومن بينها تشاد مفادها أن عدم الرضوخ لمطالب أمريكا و"إسرائيل" من شأنه أن يعود بالضرر على هذه الدول. ويبدو أن تل أبيب وواشنطن تسعيان للتأثير على قرارات ومواقف الاتحاد الأفريقي الثابتة تجاه القضية الفلسطينية من خلال هذا التهديد الذي يستبطن أيضاً الابتزاز لإرغام الدول الأفريقية على الانصياع للمطالب الأمريكية والإسرائيلية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وكوشنر هو كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، ويتولى حالياً مهمة تمثيله في متابعة مفاوضات التسوية بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، كما تربطه علاقة قوية بالملياردير اليهودي "شيلدون أدلسون" المتحمس في الدفاع عن الكيان الإسرائيلي.
وتشعر "إسرائيل" بعدم الرضا من تشاد بسبب مواقف الأخيرة من كيان الاحتلال. وفي عام 2016 سعت تل أبيب لإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع أنجمينا بعد قطعها في عهد الرئيس السابق "فرنسوا تومبالباي" عام 1972. ولابدّ من الإشارة إلى أنه تم افتتاح السفارة الفلسطينية في تشاد عام 1988.
وتتمتع تشاد بثروات معدنية مثل البترول الذي بدأ تصديره عام 2003 وهناك مخزون هائل من الذهب والحديد واليورانيوم والزنك والرخام والذي لم تستفد منه الدولة حتى الآن. كما يتمتع هذا البلد بثروة حيوانية هائلة ويعتبر المصدر الرئيسي للّحوم لدول وسط وغرب أفريقيا، ومناطق أخرى في العالم.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد سعى للقاء الرئيس التشادي الحالي "إدريس ديبي" على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016، إلّا أنه لم يتمكن من ذلك. وينبغي الإشارة إلى أن تشاد كانت تتولى في حينها رئاسة منظمة الوحدة الأفريقية، التي تتطلع "إسرائيل" إلى العودة إليها بصفة مراقب.
وقبل أيام كشف السفير الفلسطيني في إثيوبيا ومندوبها لدى الاتحاد الأفريقي "ناصر أبو الجيش" عن وجود وفد إسرائيلي في إثيوبيا لتقديم طلب حصول "إسرائيل" على صفة مراقب في الاتحاد.
وقال أبو الجيش إن "إسرائيل" قدّمت في السنوات الأربع الأخيرة أكثر من عشرة طلبات عضوية، لكن مساعيها باءت بالفشل.
وأعلنت تل أبيب الشهر الماضي تأجيل القمة الإسرائيلية الأفريقية التي كان مزمعاً عقدها في لومي عاصمة توغو في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وكان من المقرر أن يشارك فيها عدد من قادة الدول الأفريقية.
وقالت الخارجية الإسرائيلية في بيان إن تأجيل تلك القمة جاء بطلب من رئيس توغو "فور غناسينغبي" وبعد التشاور مع رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو".
وحينها قالت الخارجية الفلسطينية إن قرار تأجيل القمة الأفريقية الإسرائيلية جاء نتيجة لضغوط فلسطينية. وأضافت في بيان أن ضغوطاً مورست مع كافة الفرقاء لتبني العمل المشترك لإفشال عقد هذه القمة التي كانت تهدف لتعزيز سطوة "إسرائيل" في القارة الإفريقية.
وقد جعل نتنياهو من التوغل بالقارة الأفريقية مكوناً أساسياً في سياسته الخارجية، وسبق أن زار عدّة دول بالقارة خلال الأشهر الماضية، ولطالما قال إنه يريد انطلاقة في العلاقة الإسرائيلية مع الدول الأفريقية توقف ما أسماه "الدعم الأفريقي التلقائي" للفلسطينيين بمؤسسات الأمم المتحدة.
وتشير معلومات إلى أن هناك "مواجهة محتدمة" للحيلولة دون حصول الكيان الإسرائيلي على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، حيث تتصدر جنوب أفريقيا الجهود بهذا الصدد، وقد لحقت بها دول أخرى.
وفي وقت سابق تمكن صهر ترامب من الحصول على عقود استثمارية في قطاع العقارات بالقارة الأفريقية وذلك من خلال التعاون مع عائلة الملياردير الإسرائيلي "بيني شتاينمتز" المتهم بقضايا تبييض أموال ودفع رشى لمسؤولين في حكومة غينيا، مقابل حصوله على صفقات بمليارات الدولارات في أفريقيا.
في هذا الصدد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً عن الأسباب التي تقف وراء الإثراء السريع لعائلة جاريد كوشنر، بعد ارتباطها بعلاقة شراكة مع عائلة شتاينمتز.
وقالت الصحيفة إن علاقة الشراكة بين شتاينمتز وكوشنر تتضارب مع وظيفة الأخير في البيت الأبيض، إذ بات يطلق عليه لقب الرجل الثاني بعد الرئيس، بالنظر إلى الصلاحيات الواسعة المعطاة له والنفوذ الكبير الذي يتمتع به في فريق ترامب.
واعتبرت الصحيفة أنه رغم استقالة كوشنر من منصبه مديراً عاماً لشركات عائلته الثرية، إلّا أنه ما زال المستفيد الأكبر من أرباحها، التي ساهمت خلال العقد الماضي في مشاريع تبلغ قيمتها ثمانية مليارات دولار.