الوقت- تشتد حرارة الجبهة في دير الزور ليس فقط بسبب المواجهات التي تُخاض على جبهات قتال تنظيم داعش الإرهابي بل أيضا بسبب حالة التسابق الذي يطبع المشهد بين أمريكا ومن تدعمهم من جهة والجيش السوري مدعوما بالقوات الحليفة وروسيا من جهة أخرى. حيث يسعى كلا الطرفين لتحرير أكبر مساحة ممكنة والسيطرة عليها قبل الآخر.
هنا تطورات الميدان هي التي تتحدث عن نفسها، وهي تؤكد غلبة محور الجيش السوري وحلفائه، أما في المقلب الآخر تلعب القوات الكردية المتمثلة بـ"قوات سوريا الديمقراطية" دور القوات البرية لأمريكا في عملية استعادة مدينة الرقة وتحرير الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي.
ما حصل خلال الأيام الماضية من فك للحصار عن المناطق التي تخضع للجيش السوري المحاصر منذ ثلاث سنوات جعل الأمريكيون يعدلون في استراتيجيتهم ويقومون بنقل مجموعات كردية باتجاه دير الزور حتى لا تقع بشكل كامل بيد الدولة السورية. والسبب هو أن دير الزور تعتبر استراتيجية لقربها من العراق، وهذا الأمر جعل الأكراد يدّعون أن الطيران السوري والروسي قد قصف مواقعهم البارحة في أطراف دير الزور وهذا ما نفاه الجيش السوري جملة وتفصيلا.
يُذكر أن دير الزور باستثناء مناطق صغيرة كانت قد سقطت بيد الجماعات الإرهابية منذ أوائل الأزمة. هذه المناطق التي بقيت تحت سيطرة الجيش السوري والتي صمدت فيها قواته طيلة السنوات الماضية كانت أساسية ومصيرية بالنسبة للحكومة السورية حتى لا تسقط كل المنطقة الشرقية المحاذية للعراق. الأمر المهم والذي يجب التأمل به هو أن أمريكا كانت تطمح لإسقاط تلك المنطقة ولذلك لم تضغط من أجل منع سقطها بيد الجماعات الإرهابية إن جبهة النصرة أو داعش الإرهابيين. حتى أن الأمريكيين قد استهدفوا لما لا يقل عن مرتين القوات التي تدافع عن المدينة مساندة تنظيم داعش الإرهابي ليتمكن من السيطرة على ما تبقى من مناطق تحت سلطة الجيش السوري، ولكن الدفاع المستميت من قبل الجيش السوري والقوات الحليفة وخاصة حزب الله أفشل هذا المخطط الذي نشهد اليوم سقوطه بالكامل.
الهدف الأمريكي كان واضحا منذ البداية، وهو منع اتصال الطريق البري الواصل بين طهران وبيروت عبر الحدود السورية العراقية. وهذا المخطط كان مكشوفا لقوى محور المقاومة منذ البداية ولذلك قُدّمت الكثير من التضحيات في سبيل إسقاط هذا المشروع الأمريكي الصهيوني.
الكثير من المحللين حتى الغربيين منهم أكدوا أن اتصال الطريق البري الواصل بين طهران وبيروت يعني أن تهديد السيد حسن نصر الله بإشراك قوات من جنسيات مختلفة في أي حرب جديدة ضد إسرائيل بات حتميا وقابلا للتنفيذ.
اليوم وبعد إنهاء حصار القوات الموالية للنظام السوري في دير الزور، المخطط الأمريكي تعرض لنكسة قوية، ولذلك فإنهم يسعون اليوم للمحافظة على موطئ قدم لهم في المنطقة. البارحة حذر قادة أكراد الجيش السوري من التقدم وعبور نهر الفرات. وقد حذر رئيس المجلس العسكري في دير الزور روسيا وسوريا قائلا ما فحواه أن على روسيا والجيش السوري أن يعلموا أن كل المناطق التي تقع شرق الفرات وصولا إلى الحدود العراقية هي هدف لهم ولا يُسمح الوصول إليها من قبل الجيش السوري.
هذا التحذير أتى متأخرا حسب ما صرحت به المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية التي اعتبرت أن الجيش السوري قد تخطى الفرات باتجاه الحدود السورية العراقية عمليا.
هنا من الجيد الإشارة إلى بعض تصريحات القيادة السورية في أوقات سابقة، حيث أكد أكثر من مسؤول سوري على أن تحرير كافة الأراضي السورية مستمر والجيش جاهز لمواجهة القوات الكردية أيضا. "بثينة شعبان" المستشارة الإعلامية للرئيس السوري أكدت في مقابلة لها مع قناة المنار أن سوريا ستواجه أي وجود عسكري غير شرعي على أراضيها بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية.
عزيمة القيادة السورية وتطورات الميدان ليست وحدها التي تمنع الأمريكيين والقوات الموالية لهم من التقدم فحسب. بل إن المعلومات تؤكد أن تحديات كبيرة تواجه أمريكا في إدارة حلفائها ولاعبيها الميدانيين. حيث أن الخلافات على أشدها بين الأكراد وحلفائها من العرب. فالجماعات التابعة لما يعرف بالجيش الحر رفضت القتال إلى جانب الأكراد في معركة دير الزور. حتى أن الأمور وصلت إلى مرحلة تهديد بعض الجماعات المدعومة أمريكيا بفتح جبهات قتال ضد القوات الكردية الموالية لأمريكا أيضا.
إذا هي مسألة وقت لا أكثر لتنكشف الساحة ويهدأ غبار الحرب الدائرة وتظهر الخريطة الجديدة للمنطقة وقد جمعها طريق يمتد لآلاف الكيلومترات يصل الحدود الإيرانية الشرقية بسواحل البحر الأبيض المتوسط، هنا نحن نتحدث عن طريق حرية خطّته بالدم سواعد المقاومين من لبنان وسوريا والعراق وإيران، طريق وُجد ليلتحق عبره كل من لا زال قبلته وكرامته الأقصى الشريف.