الوقت- تتوالى تداعيات خروج عناصر تنظيم "داعش" من الجرود اللبنانية - السورية بعد معركة عسكرية خلصت إلى استسلامهم، ونقلهم إلى منطقة البوكمال في محافظة دير الزور السورية.
الصفقة العسكرية أثارت ردود أفعال متباينة في بغداد، ففي حين أعرب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن رفضه للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين "حزب الله" و"داعش" بشأن نقل مسلحي التنظيم الإرهابي إلى مدينة البوكمال السورية القريبة من الحدود العراقيّة، قال رئيس لجنة الدفاع والأمن البرلمانية العراق ان "الاتفاق على نقل عناصر داعش الإرهابي شأن داخلي سوري-لبناني لا دخل لنا به، كاشفاً في الوقت عينه عن اتفاق يخوّل العراق ضربهم داخل الأراضي السوريّة، في حين قال المتحدّث باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي "سنسحقهم".
كثيرون هم من حاولوا استغلال هذا الحادث للاصطياد في الماء العكر متحدّثين عن أرقام غير دقيقة، فقد حدّدت العديد من وسائل الإعلام عدد المقاتلين بالـ700، رغم أن إجمالي المغادرين 670، بينهم 331 مدني من نساء وأطفال، الجرحى 26 والمسلحين 308 بالسلاح الفردي فقط.
يدرك المتابعون لتفاصيل القضيّة أن حزب الله لم يقرر ويفاوض لوحده، تماماً كما ندرك جميعاً أنه ليس من حقّ حزب الله، أو أي طرف آخر، تقرير مصير سوريا والعراق دون اشراك الطرفين بالحوار والقرار، خصوصا أن هؤلاء سيتم نقلهم إلى أرض سورية وقريبة من خط ملتهب عراقي.
كذلك، نتفهّم هواجس العراقيين، لكن الاستخدام السياسي لهذا الأمر الذي نراه مصلحة عراقية، تماماً كما هي سوريّة ولبنانية، ليس من الانصاف، بل يصبّ في صالح تنظيم داعش الإرهابي، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: بعيداً عن لعبة الأرقام القذرة التي يستخدمها البعض، يتغافل البعض عن تواجد عناصر تنظيم داعش الإرهابي أساساً في البوكمال، تماماً كحال تواجده في الصحراء العراقية المقابلة للبوكمال. إن 300 مقاتل ليس بالرقم الكبير في إطار المواجهة القائمة على الأراضي السورية والعراقيّة.
ثانياً: لم يكن اختيار منطقة البوكمال عبثياً بل جاءت في إطار حوار واتفاق مسبق، وقد تمّ الاتفاق بعلم الحكومة العراقيّة، إلا أن الضغط الإعلامي ساهم في توتیر الأجواء وإيهام كثيرين بوجود مشكلة لم تكن موجودةً أساساً. فقد نقلت قناة "الميادين" ذكرت مصادر عراقية مطلعة بأن "كان بغداد لديها علم مسبق بنقل مسلحي داعش إلى البوكمال وبإطار الإتفاق السوري- اللبناني". بطبيعة الحال إن الوجهة الفعلية لداعش ستكون دير الزور باعتبار مركز الدواعش في سوريا، في حين أن النصرة هي التي تتواجد في ادلب، وقد أفضى الاتفاق السابق مع النصرة إلى نقلهم نحو إدلب.
ثالثاً: يغفل البعض عن كون هذه الضجّة الإعلامية تصبّ في صالح تنظيم داعش الإرهابي، وتساهم في رفع معنوياته المنكسرة أساساً سواءً في تلعفر أو القلمون. إن هذه الضجّة ستعيد إلى الكثير من المقاتلين معنویاتهم المهزومة بعد انتكاستهم على أكثر من جبهة، وبالتالي يجب توخّي الحذر أكثر من أيّ وقت مضى، لأن أكثر ما يحتاجه داعش اليوم هو الروحيّة القتالية.
رابعاً: البعض حاول استخدام الأمر بأسلوب عاطفي متوجّهاً إلى حزب الله بالقول "وهل دماء شبابنا وشعبنا وحشدنا المقدس رخيصة لديهم ودماؤهم فقط عزيزة"، لنقول: إن حزب الله يحرص على الشعب العراقي تماماً كما يحرص على الشعب اللبناني والشعب السوري، وكما كان أبطال الدفاع المقدّس العراقيين أول الوافدين إلى دمشق حيث وقفوا إلى جانب حزب الله، فإن حزب الله، لم يبخل، ولن يبخل، في دعم العراق بعد سيناريو الموصل. حزب الله يرى هذا الأمر واجباً وقدّ قدّم خيرة قياداته على الأراضي السورية والعراقية، من ضمنهم الشيهد القائد ابراهيم محمود الحاج "أبو محمد سلمان" الذي كان أحد أبرز القيادات الميدانية في عدوان تموّز. الشعب العراقي يثق بالسيد نصرالله رافع لواء الدفاع عن شعوب المنطقة، فهل نتوقّع ممن صد أكبر هجمة صهيونية أن يدفع الشر عن نفسه ويلقيه على آخرين؟
خامساً: حزب الله لم ينقل هؤلاء من أماكن تواجده إلى أماكن لا يتواجد فيها. أي أن مقاتلو حزب الله يتواجدون منذ أشهر في البادية السورية ودير الزور حتّى المقاتلين الذين كانوا في القلمون سينتقلون إلى دير الزور لمواجهة هؤلاء، وبالفعل قد وصل بعضهم إلى هناك ويشارك حاليّاً في المعارك القائمة. ما حصل سيسمح لحزب الله بتعزيز جبهاته في دير الزور والمناطق القريبة من الحدود السورية العراقيّة، كذلك الامر بالنسبة للجيش السوري، وبالتالي سيكون من السهل احكام الطوق عليهم عبر تركيز القوّات في أماكن محدّدة بدلاً من استنزافها في جبهات عدّة.
في الخلاصة، إن داعش هو تهديد مشترك للعراق وسوريا ولبنان، وحزب الله الذي قدّم تضحيات ضخمة، كما فعل العراقيون، في كافّة الدول الآنفة الذكر، لن يُقدم على أيّ خطوة تُضرّ بالشعب العراقي.. وانتظروا المفاجآت.