الوقت- لم يكن موقف الكيان الإسرائيلي غامضا اتجاه الأزمة الخليجية، فعلى رغم الاتصالات السرية والعلنية القائمة بين دولة قطر والكيان منذ سنوات إلا أن الحكومة الإسرائيلية فضّلت ألا تقف في الوسط وأن تتخذ وعلى لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي مواقف بعضها واضح وبعضها ضمني تؤكد دعمها للحليف الجديد (السعودية) في توجهاتها وسياساتها.
بدأ الأمر مع وزير الأمن في الحكومة الكيان "أفيغدور ليبرمان" الذي قال أن الدول الخليجية أدركت أن التهديد الحقيقي الذي يواجهها هو الإرهاب الإسلامي وليس الصهيونية. مؤكدا أن الدول التي قاطعت قطر إنما بسبب دعم الأخيرة للإرهاب. داعيا لتحالف وتعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
هذا الموقف عزّزته تقارير صحفية كثيرة نشرت في صحف الكيان الرئيسية. تؤكد هذه التقارير على أن عزل قطر سيقوي الحلف السعودي القطري ضد أعدائهم أي إيران والإرهاب. فحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" فإن الأزمة تعتبر فرصة ذهبية لتغيير الموازين في المنطقة لصالح السعودية والكيان الإسرائيلي.
إذن هو موقف واضح يؤيد السعودية والإمارات في توجهاتها، هذا الأمر وبالنظر إلى التناغم السعودي مع المطالب الإسرائيلية يؤكد وجود حالة من الانسجام التام فيما بين الطرفين. ويعزز هذه النظرية الطلبات والشروط السعودية التي طُلبت من قطر لإعادة العلاقات ومنها طرد حماس واعتبارها إرهابية. فهذا الشرط هو في الواقع مطلب إسرائيلي قديم وسعودي جديد.
الأمر الآخر الذي حصل البارحة الأحد والذي يؤكد استمرار سياسة تبادل رسائل الودّ بين الطرفين الإسرائيلي والسعودي هو قرار وزير الاتصالات في الكيان إغلاق مكاتب الجزيرة في القدس المحتلة وسحب التراخيص من مراسليها ومنع بثها من قبل الشركات المزودة بخدمة القنوات الفضائية في الداخل الإسرائيلي.
أما عن أسباب هذا القرار فقد برّره وزير الاتصالات بدعم الجزيرة للإرهاب. وأكثر من ذلك فقد استشهد بما سماه "قرار إغلاق مكاتب الجزيرة من قبل دولة عربية سنية وحظر عملها". في رسالة واضحة لا لبس فيها للسعودية. تقول الرسالة نحن معكم ونؤيد توجهاتكم وهذه الخطوة إنما عربون إخلاص للحلف الذي بدأ يتبلور بأشكال مختلفة.
طبعا هذا القرار لم يأتي بشكل مفاجئ، بل سبقه قصف إعلامي تمهيدي جزأ منه تولّاه رئيس وزراء العدو نفسه بنيامين نتانياهو. حيث أن نتانياهو كان قد هدّد على صفحته على الفايسبوك الجزيرة بالإغلاق بسبب ما سماه التحريض على العنف خلال تغطيتها أحداث الأقصى الأخيرة.
من الجهة السعودية الإماراتية، فقد بدأت الوسائل الإعلامية التابعة لهم ومنذ أشهر وخصوصا بعد زيارة دونالد ترامب إلى السعودية بالتمهيد لفكرة إسرائيل الصديقة. ولنظرية "عدو عدوي صديقي" حيث أن هذا الإعلام المأجور يبث وبشكل مدروس وموجه برامج سياسية وحوارية لشخصيات عربية تتحدث عن إمكانية إقامة سلام مع الكيان الإسرائيلي وتشكيل حلف في مواجهة إيران العدو والتهديد المشترك للطرفين.
هذه السياسة الإعلامية تهدف لإلقاء أفكار خبيثة في أذهان الرأي العام العربي، ولتقييم ردة فعل هذا المجتمع إزاء فكرة الصداقة مع الكيان الإسرائيلي.
طبعا هذا الإعلام ومن أجل ضرب وتشويه صورة أعداء إسرائيل فإنه يبث أفكار مريبة تتهم المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالإرهاب وعلى رأسها حزب الله وحماس.
إذن ومن خلال مراجعة المشهد الكامل تتأكد نظرية التحالف الجديد الذي بدأ يظهر للعلن بين إسرائيل والسعودية في مواجهة أعداء الطرفين. فمهاجمة إسرائيل لقطر والجزيرة يأتي في هذا السياق ومهاجمة حماس والمقاومة الفلسطينية من قبل السعودية أيضا ليس خارج السياق. وهذا أول الغيث بانتظار الخطوات المتبادلة التالية من الطرفين.
يبقى الرهان على الرأي العام العربي وعلى الشرائح المثقفة والإعلام الأصيل أن يظهر الحقيقة للرأي العام كي لا نجد أنفسنا بعد سنوات أمام واقع يقول إسرائيل صديقة ودول كإيران وقطر هي العدو. وعلى المجتمعات العربية أن تدرك أن أي تقارب في وجهات النظر وتناغم مع العدو الإسرائيلي يؤكد أن هناك ضلالة وبالتالي العكس صحيح، فالمعسكر الذي تعتبره إسرائيل عدوا هو الذي يسلك طريق الصواب وخلاص الأمة من الذلّ.