الوقت- مرّت الذكرى السادسة على استقلال جنوب السودان على وقع الحرب الداخلية التي تتآكل البلاد حيث شردت أكثر من نصف مليون من السكان بين مخيمات اللجوء في الدول المجاورة ومخيمات الأمم المتحدة المنتشرة في الداخل، وكل ذلك هو من تبعات المغامرة التي خاضها قادة البلاد بدعم وتأييد غربي إضافة إلى أيدي إسرائيلية خفية لتقسيم السودان وتشتيت قواه الشعبية وموارده الطبيعية.
إذا وبعد سبع سنوات على الاستفتاء الذي جرى عام 2011م حول انفصال الجنوب السوداني تعيش البلاد الذكرى الرابعة لحرب أهلية قطبيها الأساسيين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه المقال رياك مشار. صراع لا يبدو أن خواتيمه تلوح في الأفق على رغم الوساطات الدولية الكثيرة التي تدعم التهدئة والسبب أن كلا الطرفين الرئيسين إضافة إلى أطراف أخرى أثنية وقبلية لا تريد التوصل لحل يرضي جميع الأطراف، وقد يكون السبب هو الارتباطات والأيدي الخفية الأجنبية التي أرادت تقسيم السودان منذ سبع سنوات هي نفسها التي لا تريد الاستقرار لهذا البلد الفتي اليوم.
يُذكر أن الانفصال الذي تم عقب الاستفتاء الذي حصد 98% من أصوات الجنوبيين مطلع عام 2011م أتى بتحريض مباشر من دول غربية إضافة إلى الأيدي الخفية الإسرائيلية التي تملك نفوذا واسعا داخل القيادات الجنوبية وعلى رأسها الرئيس سلفاكير، أرادت هذه الأيادي للسودان التقسيم فاستغلت نفوذها ضمن الإثنيات الموجودة في الجنوب للدفع باتجاه الانفصال على رغم ضعف الموارد والإمكانات التي يجب أن تتوفر لقيام دولة قوية وقادرة على إدارة أمورها. إضافة إلى وجود إثنيات متناحرة داخل المولود الجديد وهو ما بدأت ثماره منذ كانون الأول ديسمبر 2013م حيث كان الإعلان الرسمي عن بداية الحرب الأهلية المستمرة إلى اليوم.
اللافت أنه وبعد سنوات على الاستقلال (9 تموز يوليو 2011) لم تتمكن جوبا العاصمة من الاحتفال بهذه الذكرى بسبب المشاكل الأمنية والاقتصادية والظروف الغير مناسبة، كما أن شرائح كبيرة من الشعب الجنوبي تعيش حالة من الإحباط والندم على الخيار الذي اتخذوه مطلع 2011م.
يكتفي هذا البلد بخطاب للرئيس سلفاكير يتوجه في للشعب في ذكرى الاستقلال. ولطالما أكد سلفاكير أن خيار الشعب وعلى رغم الصعوبات سيبقى الانفصال، حيث يغض الطرف عن الواقع المؤلم التي تعيشها البلاد ويكتفي بالتمتع بالسلطة التي لا يمكن له أن يحصل عليها لولا الانفصال، كما أنه أحد أطراف الحرب الأهلية الدائرة التي تجند الأطفال في صفوف الجماعات المسلحة حيث تتحدث تقارير عن أكثر من 17 ألف طفل يشاركون في الحرب الدائرة.
إنها نتيجة الثقة بالخارج والاعتماد على الوعود والأوهام التي قدمها الغرب الذي دعم الاستفتاء ومسيرة الانفصال تحت عنوان حرية تقرير المصير، اليوم شعب جنوب السودان يدفع ضريبة قراره التاريخي المؤلم بالانفصال عن السودان.
أما عن مقدرات هذا البلد، فهو يعتمد بشكل أساسي على النفط الذي يصدره عبر السودان، كما أنه لا يملك أي منفذ بحري باتجاه المتوسط. النفط اليوم بات موضع صراع بين القبائل ولم يعد في مأمن من الحرب الدائرة ولذلك فإن الأوضاع الاقتصادية من سيئ إلى أسوأ. حتى أن الأمور وصلت لمرحلة لم تعد الحكومة قادرة على دفع مرتبات موظفيها وجيشها مما ينذر بأزمات سياسية قد تكون شرارة انهيار البلد الذي لم يعرف الاستقرار يوما.
اليوم يعيش هذا البلد على المساعدات الدولية المحدودة التي تقدمها بعض الدول، مساعدات لا يمكن مقارنتها مع حجم الاحتضان الدولي لقضية جنوب السودان ابان الحراك الذي كان يدعو للانفصال منذ سبع سنوات. يتبين اليوم لشعب جنوب السودان خطأ الرهان على هذه الدول التي لم ترد خيرا لهم بل فقط أرادت تقسيم بلادهم تحت عناوين وشعارات براقة أحبها الشعب الجنوبي في حينها وهو يكتوي اليوم بنارها.
العجيب اليوم أن النخب وأصحاب القرار وعلى رغم وخامة الأوضاع لم يستشعروا الخطر المحدق بهم، أو أنهم استشعروه ولكن لا يريدون الاعتراف به ولا يزالون يعزفون على وتر القبلية والإثنية التي دمرت بلادهم بعد عزفهم لسنوات على وتر الانفصال عن السودان. هذا الأمر يؤكد أن الأيدي الخفية التي دعمت حراكهم في حينها لا زالت تتلاعب بهم كالدمى الطيعة لتنفيذ سياساتها ومآربها الخبيثة.
يبقى الأمل اليوم أن يعي الشعب الجنوبي هذه الحقيقة. وأن يؤمن بأن السلم والتعايش والوحدة هي الحل الوحيد لأزمته فينبذ العنف والاقتتال ويصم الآذان عن ألحان الفتنة والتفرقة التي ستزيده قتلا وذبحا وتهجيرا.