لا تكاد السعودية تدخل في أزمة، إلا وتُفتح لها بوادر أزمة أخرى. فيما من الواضح أن أزماتها، ليست إلا وليدة الواقع السياسي المُعقَّد، الذي بات يُفرَّق الحلفاء ويجمع الخصوم. وهنا فإن الأزمة القطرية التي أدخلت حلفاء السعودية في دوَّامة الحسابات، ولَّدت للرياض عدة أزمات أخرى في ظل تقاطع المصالح بين الدول، ومحاولتها التحيُّد في خياراتها بما يتناسب مع أدوراها وأحجامها. من هذا المنطلق، تبدو بوادر أزمة جديدة تلوح بالأفق، بين السعودية والسودان. حيث خرجت عدة إشاراتٍ جديدة، تدل على وجدو خلافات عدة، بين النظام السعودي، والنظام السوداني الحاكم برئاسة البشير. فكيف يمكن تبيين ذلك؟
السعودية تسحب الغطاء عن السودان: عودة العقوبات الأمريكية
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية مساء الثلاثاء أن الولايات المتحدة أرجأت البت في قرار رفع العقوبات بشكل دائم لمدة ثلاثة أشهر، وذلك بعد انتهاء مهلة الستة أشهر التي منحتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما للحكومة السودانية بعد رفع العقوبات مؤقتا في كانون الثاني الماضي. وبرَّرت واشنطن القرار بهدف تشجيع حكومة السودان على الحفاظ على جهودها المبذولة بشأن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. مع الإشارة الى أن الخسائر التي يتكبدها الإقتصاد السوداني جراء العقوبات المفروضة من قبل واشنطن، قد وصلت الى أكثر من 45 مليار دولار.
موقف البشير تجاه الأزمة القطرية: هل استفز الرياض؟
لم يكن الموقف السوداني من الأزمة القطرية بالمستوى الذي تريده السعودية. حيث:
أولاً: وجد الرئيس السوداني عمر البشير نفسه أمام مأزقٍ كبير، حيث يتمتع بعلاقة متينة مع قطر لا سيما في ظل احتضان بلده لعدد من المسؤولين في حركة الإخوان المسلمين. وهو ما جعله أيضاً على علاقة قوية بالطرف التركي.
ثانياً: لهذه الأسباب وقف البشير على الحياد بل وضع نفسه في موقف المُبادر المتطوع لحل الأزمة، وهو ما وجدت فيه الرياض تمرداً، ورفضت قبول وساطته. الأمر الذي أدخل العلاقة السودانية السعودية في نفق المجهول!
ثالثاً: نهاية شهر حزيران المنصرم، أدت الحرب الباردة التي تدور خلف الكواليس بين أجنحة الحكم في السودان، لقيام الرئيس السوداني البشير، بإقالة الفريق طه عثمان الحسين من منصب وزير الدولة برئاسة الجمهورية السودانية ومدير مكاتب الرئيس السوداني لأسباب قيل أنها تتعلق باستغلاله السيء لمهام وظيفته بصورة غير قانونية وغامضة ومثيرة للجدل. وهنا وبعيداً عن صحة الأسباب، فإن الفريق الحسين هو رجل السعودية الأول في السودان بل في أفريقيا بحسب ما يتضح.
طه عثمان الحسين: رجل السعودية الذي أقاله البشير!
لم تكن مسألة إقالة البشير لرجل السعودية طه الحسين، مسألة يمكن المرور عليها وكأن شيئاً لم يكن، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: كان الحسين رجل السعودية في السودان، والمسؤول عن التأسيس للتوجهات التي تنسجم مع تطلعات الرياض. كما لعب دور الوسيط بين السعودية والدول الأفريقية، حيث ساهم في تنظيم 40 زيارة لرؤساء دول إفريقية للسعودية.
ثانياً: يُعتبر الحسين المسؤول عن القرار خلف قطع السودان للعلاقات مع إيران، كما أنه المسؤول عن إرسال قوات سودانية للمشاركة في العدوان على اليمن. وهو ما جعل السودان تأخذ العديد من القرارات التي كانت مفاجئة الى حدٍ ما.
ثالثاً: مثَّل الحسين، دور المُروَّج لـ محمد بن سلمان في أفريقيا، بحسب ما يشير المراقبون. وهو ما كان أحد الأسباب في جعله محط ثقة الأخير وتعيينه مستشاراً له وإعطائه الجنسية السعودية. الأمر الذي يعود الى المعرفة الشخصية بين الرجلين ومنذ سنوات.
يبدو واضحاً أن التوجهات السودانية لم تعد كما تريد الرياض. فصحيحٌ أن الرئيس البشير استطاع نسج تحالف قوي مع السعودية التي قدّمت له الدعم المالي، وتعهّدت في استخدام نُفوذها السياسي والإقتصادي مع واشنطن لرفع العقوبات أو تاجيلها، لكن يبدو أن ذلك سقط من خانة الإهتمام السعودي، في ظل ما اعتبرته الرياض تمرداً عليها. وهو ما قد يكون تبيَّن اليوم في ظل وصول الأمير الشاب محمد بن سلمان لولاية العهد، وإمساكه بمفاصل النظام بشكلٍ أكبر. في حين اعتبر المراقبون أن تعيين طه الحسين مستشاراً عسكرياً للرياض بعد أن أقاله البشير، هو رسالة للبشير ونظامه.
إذن، تعيش العلاقات السعودية السودانية مرحلة قد تكون جديدة، إلا إذا تغيَّرت الظروف وهو الأمر المُستبعد. فالتوجهات التي تأخذها الرياض اليوم، في ظل حكم السلمان وابنه، قد لا تصب في مصالح العديد من الحلفاء الذي باتو رهن المزاج السعودي. في حين أدخلت الأزمة القطرية العديد من الدول، في معركة عض الأصابع، والتي يتساءل المراقبون، إن كان السودان أهلاً لها. فهل سيدفع السودان ثمن رهانه على الرياض؟