الوقت- يخوض الأكراد الإنتخابات البرلمانية التركية هذه المرة ككتلة موحدة بزعامة حزب سياسي هو "ديمقراطية الشعوب" يرأسه صلاح الدين ديمرطاش، فالأكراد كانوا يخوضون الإنتخابات منذ فترات طويلة ولكن على هيئة أكراد مستقلين لا تعطيهم وزناً سياسياً داخل البرلمان، لذلك تعتبر هذه الإنتخابات فرصة للأكراد للحصول علي 10% من الاصوات من اجل الدخول ككتلة برلمانية الى المجلس النيابي بحكم القانون والذي يخولهم ايضاً الفوز بأكثر من 50 مقعداً.
لذلك يسعى الأكراد الى الإستفادة من هذا التكتل ليخطوا خطوة نحو البرلمان التركي وليقطعوا الطريق على حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة بشكل منفرد، فإذا تخطى حزب الشعوب الديمقراطية الحد النسبي البالغ 10 في المئة، وحصل حزب الحركة القومية على قرابة 16 أو 17 في المئة، فعندئذ يمكن القول بأن حزب العدالة والتنمية ليس لديه فرصة لأن يصبح حزبا حاكما بمفرده، ذلك أن عدد النواب سيتراجع إلى 260 نائبا ”.
هذه المعطيات تحديداً تفسر التوتر والتراشقات الإعلامية التي نسجت مؤخراً العلاقة بين العدالة والتنمية والشعوب الديمقراطية رغم اتفاقهما الأخير على عملية التسوية للقضية الكردية. ويعمل الطرفان بجد على حاجز الـ 10% الذي سيكون له بالغ الأثر على تركيبة المجلس القادم. وهذا ربما ما دفع بالحزب المعارض إلى التقارب أكثر مع حزب الشعب الجمهوري (أحد خصومه التقليديين)، بل ومع جماعة كولن التي كان أحد أهم أسباب خلافها مع العدالة والتنمية هو الملف الكردي. بينما يهدد الحزب – ولو بشكل مبطن – بالطعن في نزاهة الإنتخابات واللجوء للشارع في حال فشل في دخول البرلمان .
الى ذلك يرجح أن يلعب العلويون دوراً مهماً من شأنه تغيير بعض معالم الإنتخابات لصالح الحزب الكردي بسبب تعاطي الدولة التركية معهم وبسبب الموقف التركي من الأزمة السورية، فمن هذا المنطلق اختار رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض في تركيا كمال قلتشدار أوغلو، أن يبدأ حملته الانتخابية بوعد انتخابي يتعهد فيه بطرد السوريين من تركيا في حال فوزه. وقد كرر هذا الوعد مرة أخرى في مدينة مرسين، حيث هناك عدد كبير من أنصار هذا الحزب، من العلويين العرب الذين لهم كثيرٌ من الأقرباء ممن قتلوا في الحرب الدائرة في سوريا. ولم يكن هذا الوعد غريباً عن كمال أوغلو وعن حزبه؛ فهو من المؤيدين للرئيس الأسد اعتباراً من 15 آذار/مارس 2011، وزاره خلال الثورة السورية معلناً تضامنه معه.
هذه المستجدات قد تصعب على اردوغان مسالة الفوز بأغلبية المقاعد وبالتالي تشكيل الحكومة من لون واحد، في الوقت الذي يسعى فيه اردوغان الى مشروعين اولهما تحويل الحكم في تركيا الى رئاسي وذلك بعد اعتماد تعديلات دستورية يصبح فيه رأس الحكم في تركيا رئيساً منتخباً، وأما المشروع الثاني فهو خفض سن الاقتراع الى 18 عام. ويهدف اردوغان من هذين المشروعين الى التخلص من مسألة 10% من الأصوات في الإنتخابات التي تعتبر حجر عثرة في طريق تشكيل اي حكومة بالاغلبية، وعليه ومن خلال تلك الخطوتين يستطيع ضم اصوات جديدة وشابة ويستطيع الوصول الى السلطة عبر رئاسة الجمهورية التي "اذا نجح بشرعنتها" تتمتع بصلاحيات واسعة. ومن جهة اخرى أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه الشهر الماضي أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا سيحصل على نحو 38% فقط من الأصوات في الإنتخابات البرلمانية القادمة، مقابل 49.8% حصل عليها في انتخابات 2011 .
والجدير ذكره ان أكراد تركيا يشكلون 56% من مجموع الأكراد في العالم. وعددهم هو 15,016,000 نسمة (20%) من مجموع سكان تركيا ) يعيش معظمهم في الجنوب الشرقي لتركيا)، أما العلويون فيبلغ تعدادهم 5.5 مليون نسمة، وعليه فإن نسبة العلويين لا بأس بها. ويسعى كل من حزب "الشعوب الديمقراطية" وحزب "الشعب الجمهوري" الى استمالة العلويين لكسب اكبر عدد من الأصوات، وعليه فإن المعركة الإنتخابية حامية جدا ويترقبها الجميع في الداخل والخارج، خاصة اذا كانت النتائج بما لا يرغب به اردغان وفريقه، لأنها ستنعكس حتماً على السياسة الخارجية والملف السوري بالتحديد، هذا ما قد يغير ولو شيئاً في مسار الازمة السورية، ولذلك ما دور الداخل والخارج في صياغة حالة سياسية تركية جديدة؟؟ هذا ما ستجيب عنه الايام المقبلة بعد انتهاء العملية الانتخابية.